لا أدري هل أرسلني القدر إليهم أم أرسلهم إلىّ، أم كان
يسير كل منا في طريقه، فالتحمت الطرق في لحظة من اللحظات الفارقة وتقابلنا..
أُناس لولاهم ما
تعلمنا اختيار وجهتنا و توجيه خطانا منذ أن عُلمنا السير، أُناس تقرَّبوا إلينا
لنتقرب إليهم، أُناس جسَّدوا أحلامنا على أرض الواقع، أُناس تبسَّموا باتجاهنا فصنَّفتها
الذكريات أيامًا سعيدة على إثر بسماتهم، أُناس وقفوا لمؤازرة مشاعرنا اليائسة فمهَّدوا
طريق الأمل من جديد، أُناس قفزوا في دوامات الزمن لأجل إنقاذنا، أُناس أثَّروا على
مجرى حياتنا.
إلا أن يشاء الله سيدوم
خير أحوالنا ماداموا موجودين كأعلام ترفرف في سمائنا، أعلام مثبتة على قلوع سفن
السلامة و النجاة، أعلام تبعث الحياة لأرواح استوحت روعتها من تفاصيل امتُلأت
بثغرات فما زادتها الثغرات إلا جمالًا فوق الجمال، بدت كألوان زاهية تجذب كل رحالة
يبحث عن كنزه في ثنايات زمنية أو في أعماق أزلية، بضع ثريات ذهبية أفقدته عقله،
لمعت من بعيد كأنما نفثت نارًا في قلبه تملَّكت أحواله ومصائره، امتُزجت بأنفاسه كشهيق
ناج من الموت، وأُخرجت كزفير خفيّ كأنما لم تخرج قط..
إن لم تتمكن من رؤية
أعلامهم، كن أنت علمًا مرفرفًا في سمائهم، سيرفعون حتمًا أعلامًا أزهى من أجلك
يومًا ما، يومٌ قريبٌ من أحلامك أكثر مما تظن.
سيدوم خير أحوالنا
ما داموا موجودين كتنهيدة كروان في دعاء ليلة فجرية، يتخلله نقاء نسيم الفجر البارد
في لحظات تستقر الدعوات إلى مُستجيبها، تلك الرموز السرية التي لا تصعد إلا ووعودها
الباقية تسبقها.
ليس كل شيء "سيئًا كثيرًا"،
لكننا نجهل كم تبرع الظروف في تهذيبنا وتقويم مبادئنا وما بسطناه على مهدانا ومعبرنا،
من تمكنوا من رؤية النور ليسوا "غرباءً" بل منارات تخبرنا بأن الساحل
قريب، حتى نسمة الهواء يمكنها إيصالنا إن سمحنا لها بذلك، خطوة أخرى أقرب لآمالنا هي
خطوة صعبة، نتعثر في أخذها مرة أو مرتين أو مئة مرة، ألا نشتاق إلى الشمس عندما
يحل الشتاء؟ ألا نشعر بأننا "كنا" بخير عندما لا نبيت بخير؟ ذلك لأن الأحلام تتحقق ببطيءٍ، ما المبرر الذى
يدفعنا لليأس إذًا؟ لا شيء يموت فقط عندما نلمسه. من منا يقدر على رؤية أحلامه أمامه
ولا يحاول لمسها! نسبح وراءها فتستدرج أبصارنا إلى أعماق تبدو بعيدة بحق، خائفين،
لكن متحمسين، لا يتجمد قلب يحركنا، يسأل ونلبي سؤاله، وإن أثلجت أذاب جمودها
التطلع إليها، فلندع لليل عتاب ليله، أتستطيع أن تقول الآن أنك تشعر بشعلة نارية
تومض لك الطريق؟ أتستطيع أن تقول أن الذكريات لا يمكنها مسح تلك اللحظة من مخيلتك؟
لحظة الخلاص المنتظرة، مُنحنا جميعًا قوة بداخلنا، لكن قليل من آمن بها بالفعل،
وتبقى "المحاولة المستمرة" هي الهدية التى نهديها (لأنفسنا).
إعداد/ ندى أحمد عبدالمعطي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق