إنه الجمعة أحب الأيام على الأرض، بكل تفاصيل اليوم الزهرية المليئة
بالذكر والرحمة، تفتح الأم شباك الغرفة لتتسلل أشعة الشمس داخلها، يتأفف وحيدها قائلا:
أريد النوم أغلقيه.
تبادره باسمة: إنه الجمعة يا علي، وميعاد الصلاة قد أوشك ..
بعد مشادات معه لم تكن بمستعصية، وافق علي على النهوض، صلى الظهر في المسجد
مع والده، وتجهز للسفر مقبلًا يد والدته، وودعته أمي بحنين زائد هذه المرة وهي تجهل
السبب، وغلبت أبي لهفة اشتياقه وأخذ يضمه كثيرًا، وركب السيارة في سلام وأخذ معه قلب
أمي، ساعات قليلة حتى انقلبت السيارة، مات أغلب أصدقائه أمام عينيه، من قُدر لهم النجاة،
نجوا، ومن كُتب أجلهم، فقد رحمهم الله ..
أما عن جميل الطلعة، خفيف الظل، كثير الضحك والكلام، لم يصب بسوء، لم
تمسسه شوكة حتى! ظن الغافلون أنه لم يكن بالحادث من أساس، جهلوا أن الله أحاطه بملائكته
ورحم قلب أبيه وأمه وأعاده لهم بسلامة ومعجزة قدرية دنياوية عظيمة
أحيط العالم كله بالصراخ، أما
عن أمي، تلفحت بوشاح ما أهدته لها جدتي، وأخذت تردد في صبر غريب: يارب .
تلك الأحداث جعلتني أقف مذهولة، قلب أمي مصنوع من حديد صلب، ورغم لهيب
الظروف القاسية لم ينصهر، ما سر القوة التي بتلك المرأة؟! أبلغوها تارة أن جميع من
بالسيارة قد رحل..
ثم تارة أخرى:
جميع من بالسيارة قد أصيب إلا ابنك.
كيف كانت تقع تلك الأحداث عليها؟، كيف تقبلت تلك الأخبار دون دموع أو
شكوى؟
وماذا عن أبي الذي رزقه الله
بولد بعد أربع فتيات، إنها ليست عادة متخلفة، كما يبشر المرء بالأنثى، تبشر ملائكة
السماء بقدوم الولد، كاد أبي أن يبلغ السبعين من عمره، الحياة صعبة للغاية لكنه ما
اشتكاها أبدا، وألهمه الله الصبر واليقين وجزاه على كثير من أفعاله خيرًا.
أما عن كيف كان ذلك وكيف لم يصب
بسوء، وكيف بفضل الله ساعد من ساعده، فالإجابة تتلخص في ثلاثة أحرف: قدر .
آمنوا به، أحبوه .. إنه أجمل ما في الحياة، الوجع الذي قد تشعر به لأجل
موقف ما، ماهو إلا وشاح رحمة ولطف، ولكن إيماننا الضعيف بترتيب القدر جعلنا نعيش في
حالة من الوحشة والهم..
إنه الله يا أحبائي، وما أتى لقلبك من "أه" متعددة الألوان،لا
بد وأن تسعد في النهاية قائلًا "لقد فرجت، ما أرحمك ربًا يا الله".
إعداد/ ياسمين محمد
ما اجملك ايتها الجاسمين
ردحذف