-قلت
لك تمهل وأمسك البندقية كما قلت لك.
-ما أريده
منك هو أن تصمت، أنا أعرف ماذا أفعل -أقول له وأنا أمضغ علكة في فمي-.
-لن
تصيب شيئا يا فتى.
-أترى
بسبب كلامك لم أصب شيئًا -أضيف وأنا أقذف كلماتي حمما- لن أدفع لك شيئًا أيها
العجوز، في المرة
القادمة عندما تصمت سوف أدفع، أتفهم.
أغادر
دكان التصويب بالبنادق، وأتأفف بسبب محاولاتي اليائسة.
أعدل من
سترتي وقبعتي السوداء العريضة وأحدث نفسي (حسنا لا يهم، سوف أحاول غدًا، المهم أن
أعيش بطريقتي).
أعود في
اليوم التالي إلى ذات دكان البنادق فأجد العجوز صامتًا، فقط ابتسم عند رؤيتي.
أمسك
البندقية وأضعها بين ذراعي تحت إبطي، وأمضغ علكة بطعم الفراولة، ثم أخفض رأسي
قليلًا، لأنظر من القناصة على صندوق التصويب وأصوب على ذاك الشيء الملون الصغير
فيها.
أضغط
الزناد وكالعادة لا أصيب.
أحاول مرة
أخرى وأدقق النظر في الهدف وأثبت البندقية جيدًا وآخذ نفسًا عميقًا، ولكن أخطأت
الهدف.
أكرر
محاولاتي عشر مرات وفي كل مرة أحاول جاهدًا أن تفلح طريقتي ولكن ذهب جهدي سدى.
-(أدفع
للعجوز النقود بصمت وأقول) لقد أعجبتني اليوم وتستحق تلك النقود عن جدارة، أريدك
هكذا دائما وإلا لن أدفع شيئا.
أغادر
وأسير في الطريق المؤدي إلى بيت أحد أصدقائي لألتقي به ومن ثم نجمع باقي الأصدقاء
ونأخذ جولة في البلدة.
أحاول فقط
أن أعرف الخطأ في طريقتي، ما علي سوى المحاولة جاهدًا فقط لأصيب، هذا ما أتوقعه،
أما الطريقة المؤدية إلى ذلك، فلا تهم ما دمت سأصيب، لن أعيش على طرق أحد لكل
طريقته.
أنادي على
(أحمد) فيهبط إلي ونسير معًا.
-ما
أخبار رمياتك -يبادر أحمد بالسؤال-.
-لا
تذكرني، يبدو وجه العجوز يضفي نحسًا على حظي.
-هاهاهاها
ما زلت كما أنت عنيد.
-العند
من شيمي.
-لا
تضع وقتك وطاقتك في شيء كهذا فتخسر وقتًا طويلًا في شيء يمكن أن تتعلمه في لحظات.
-لقد
علمك العجوز بعض الحكم، أتساءل لماذا أخذتها منه وكان يمكن أن يكون لك حكمك الخاصة
بك ؟
-لن
يكون لك شيء إن لم تتعلم من غيرك أشياء، أنا كما تعلم أخوض مباريات الرماية وأفوز
بالعديد منها، بعد أن دربني العجوز، وصرت الآن أتفوق عليه.
-
لا تدع حكم العجوز الخرف تتمكن منك فلسوف أتقن طريقتي وأتحداكما وأفوز عليكما.
-حسنا
... أتمنى لك ذلك حقًا، لأتعلم عن طريقك طريقة جديدة أضيفها إلى ما تعلمته.
-
ذلك بعد أن تناديني بسيدي.
ضحكنا ومن
ثم جمعنا أصدقائنا وبدأنا جلستنا بالقرب من بيت محبوبتي لأتبادل أنا وهيا النظرات
قليلًا، ومن ثم أكملنا سيرنا إلى بيت محبوبة أحد أصدقائي وقد أوشكت الشمس على
الغروب.
بدأ صديقي
بالغناء لمحبوبته وهي تقف في شرفتها وأنا أعزف بمزماري وبدأ آخرون يرقصون ويتمايلون،
إلى أنا خرج رجل من شرفته وأخذ يقذفنا بسبات ولعنات وهددنا إن لم نتوارى عن عينه
سينزل إلينا ويذبحنا كما تذبح الشاة.
انتهينا
ليلًا من سمرنا، وضي القمر المكتمل يزين الأفق.
ودعت
أصدقائي بعد أن اتفقنا على الالتقاء في الغد.
تمشيت
وحدي تجاه بيتي وأنا أتخلل المنازل لأختصر الطريق.
ما إن
بدوت على مقربة من بيتي وأصبح في مرمى عيني حتى أفزعني صراخ امرأة أضافت بعده بصوت
عال "سارق ... سارق".
أسرعت
تجاه الصوت لأجد من يقفز من منزل بدورين ويحمل حقيبة بيد وراء ظهره ومن ثم جرى
بسرعة.
أسرعت
وراءه لأدركه.
كاد يختفي
عن ناظري مرات إلا أنني كنت اتخلل المباني لأصير على مقربة منه.
مررت
بدكان العجوز والتقفت بندقية وبعض الرصاصات بسرعة خاطفة وأودعت رصاصة بداخلها
أثناء الجري.
صوبت تجاه
قدم الرجل لكي أشله عن الحركة ويسقط أرضا.
أطلقت
الرصاصة فلم تصبه، عمرت البندقية بسرعة وأنا أتلظى غضبًا ومن ثم صوبت تجاه قدمه
مرة أخرى، وأنا أحاول الاقتراب منه.
أطلقت
الرصاصة فإذا به يسقط ارضا، فهرولت تجاهه بسرعة وأخذت أركله وأسبه وأفرك بقدمي
رأسه في الأرض مفرغًا غضبي عليه
فوجئت
بأهل القرية يرجمونني بنظرات غاضبة ويقول أحدهم "توقف يا غبي" وآخر يصرخ
"لقد سرق هو أما أنت فقتلت تبا لك".
قلت في
نفسي (قتلته! ماذا.. لقد صوبت تجاه قدماه) جثوت فزعًا على الأرض وأنا أتحسس قدميه
لأعثر على أثر للدماء أو الرصاصة فلم أجد شيئ.
اتسعت
عيناي رعبًا وأخذت بخوف أتحسس صدره.
تراجعت
خطوات للوراء وأنا ناظر إلى يدّي اللتين تمتزجان بالدماء التي تغرق موضع قلب الرجل.
اجتمع
الناس حولي وحول الجثة، ينظرون لها بشفقة، أما أنا فيقذفون حروفًا قاتله
"قاتل".
أخذوا
الجثة وذلك الشيء الذي كان يمسكه بيده وردوه إلى صاحبته.
علمت فيما
بعد أنه رجل من أهل القرية أصم وأبكم لا يقدر على العمل، زاد ذلك من ندمي على
فعلتي.
أتذكر
القدر وتسخيره للعجوز و(أحمد) صديقي يحاولان نصيحتي وتعليمي، وتصميمي على صدهم.
لقد جنيت
على نفسي بعنادي، وقد أدى القدر ما عليه بشأني.
أنا
الملوم الوحيد في هذا، وقد أتت عواقب تهوري وعنادي وخيمة فادحة.
وما يدريك
ما يسوقه لك القدر نتيجة لأفعالك، فجأة تجد نفسك قد دفعت الثمن.
إعداد/ عبدالرحمن علي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق