الخميس، 2 مارس 2017

مقال - الخلاص من شاوشنك "الطريق إلى الحرية"



إذا كنت من عشاق السينما فلا بد أن تكون قد شاهدت فيلم الخلاص من شاوشنك The Shawshank Redemption""، أو على الأقل سمعت عنه، فالفيلم الذي يحتل المرتبة الأولى فى تصنيف IMDB  بنسبة 9.3 من10 ، وعلى الـ RottenTomatoes  91 % هو من إنتاج سنة 1994 ، وبطولة تيم روبنز ومورجان فريمان، ومن إخراج فرانك درابونت، وهو مبني على قصة لعرّاب أدب الرعب الأمريكى ستيفن كينج بعنوان "ريتا هيوارث والخلاص من شاوشنك"، والتي كان قد نشرها ضمن مجموعة قصصية في وقت سابق بعنوان "مواسم مختلفة"، والغريب أنه من بين كل أعمال ستيفن كينج فى أدب الرعب، والتي ترجمت إلى أكثر من لغة، يقع الاختيار على هذه القصة المغمورة ـوالتي لا تمت لأدب الرعب بصلةـ لتكون نواة لفيلم من أعظم الأفلام السينمائية التى شهدها التاريخ.


عندما طرح الفيلم آنذاك، لم يستطع تحقيق نجاحًا ماديًا فى شباك التذاكر، والسبب أن الحظ جمعه بأعمال ناجحة للغاية، سواء على الصعيد المادي والفني والتي تركت بصمتها فى التاريخ السينمائي، فكانت تحفة توم هانكس السينمائية Forrest Gump في نفس السنة والفيلم المثير Pulp fiction، وأيضًا فيلم The Lion King ، فلم يستطع المنافسة معهم وتراجع فى شباك التذاكر إلى مراتب متأخرة، ولكنه بالطبع كان قد حاز على إعجاب منقطع النظير من قِبل العديد من النقاد.

تبدأ قصتنا هنا بالحكم على آندي دوفرين "تيم روبنز" ـظلمًاـ بالسجن مدى الحياة بتهمة قتل زوجته وعشيقها، ويرسل آندي إلى السجن، فى سجن شاوشنك المليء بالمجرمين والمغتصبين يشق هذا المصرفي المُهذب طريقه للنجاة، مع المثابرة على المحافظة على هويته وإنسانيته داخل السجن، وإمداد نفسه بالأمل المتواصل، يتعرف آندي على ريد "مورجان فريمان" ويصبح أعز صديق له، بعد أن يساعده الأخير فى جلب مطرقة صغيرة ليقوم آندي بممارسة هوايته المفضلة نحت الصخور، والتي لم يفقده دخوله السجن شغفه بها، تمر الأيام ويكتشف موظفوا السجن عن طريق حادث مع الكابتن مدى براعة آندي في التعامل مع الأعمال المصرفية، فيقرروا استغلاله للقيام ببعض الأعمال لهم مقابل أن يحموه من المساجين الآخرين، وسرعان ما يتعرف على مدير السجن الذي يقرر هو الآخر الحصول على خدمات أندي، للقيام ببعض أعمال السرقة والاختلاس له، مقابل أن يسمح له بإعادة إنشاء مكتبة السجن وجلب المزيد من الكتب، يوافق آندي فى سبيل أن يستطيع جلب المزيد من الكتب، ويقوم بتعليم المساجين الآخرين القراءة والكتابة، وفجأة ينسى آندي لفترة من الوقت أنه مسجون وأنه مظلوم، ويتحول من السجين المضطهد إلى شعلة متقدة من الأمل داخل السجن، ويصبح محط احترام وتقدير العديد من السجناء والحراس، لكن يومًا ما يأتى سجين شاب جديد ويخبره أنه كان يعرف المجرم الذي قتل زوجته والذي ألصق التهمة به، يسرع آندي غير مصدق أنه أخيرًا سيخرج من السجن وستثبت برائته التي كان واثقًا منها فى قرارة نفسه طيلة هذا الوقت، ويقرر الذهاب إلى المدير لمساعدته، يخبره المدير أن هذه القصة مستحيلة ويزج به فى الحبس الانفرادي، بعد ما يقرر قتل الشاب الشاهد الوحيد على براءة آندي، وذلك لكي يحمي نفسه من أن يخرج آندي ويشي بأعماله القذرة، يخرج آندي محطمًا من الحبس الأنفرادى بعد ما أمضى شهرًا كاملًا، ويقرر الاستسلام للمدير مؤقتًا كي يتركه وشأنه، ولكنه لم يتخلى عن الأمل، فيقرر بعد تفكير طويل ألا يمكث كثيرًا في هذا السجن..  يقرر الهروب!

يستخدم آندي المطرقة الصغيرة التي أحضرها ريد له في حفر نفق إلى خط أنانبيب مؤدي لخارج شاوشنك، ويتزامن ذلك مع الاستمرار في القيام بأعمال المدير من اختلاس كي لا يكشف أمره. يهرب آندي من السجن بعد عشرين عامًا من الأمل والعمل، ليكون أول شيء يقوم به هو الإبلاغ عن الفساد في شاوشنك ليخلص المساجين من المدير والضباط الفاسدين، ويبدأ حياة جديدة بعيدًا في بلدة صغيرة تطل على أمواج المحيط الهاديء الزرقاء الجميلة، وسرعان ما يلتحق به صديقه ريد لينعما بحريتهما معًا.

هذا هو آندي وهذه هي قصته، بل إنها قصتنا جميعًا، فبداخل كل واحد فينا آندي، ربما يكون مسجون في سجن فرضته عليه ظروف معينة، أو ربما يكون هو من فرضه على نفسه بالجهل وافتقاد الأمل.

آندي هنا تغلب على سجنه بالقراءة وإصراره على إنشاء مكتبة خاصة بالسجن، ولم يتوقف عند ذلك فقط، بل إنه بدأ مشروعه بتعليم المساجين الآخرين، وقد آتت جهوده ثمارها، آندي لمس ذاك الشعور الرائع بأن يرى تحول شخص من مُجرم إلى إنسان عن طريق القراءة، عن طريق إحساسه بذاته وتهذيبها، لا تستغرب فالمعرفة تستطيع خلق المعجزات، تستطيع خلق إنسان جديد، المعرفة قادرة على خلق إنسان.

آندي تحمل أسبوعين في الحبس الانفرادي، فقط كي يشغل الموسيقى للمساجين، كي يشعرهم ولو لبضع دقائق معنى الحرية، آندي جعلهم يشعرون بالموسيقى. وعندما سألوه هل استحق تشغيل بعض الموسيقى تحمل الحبس الانفرادي لهذه المدة؟ أجابهم نعم.. إن هنالك أشياء لا يستطيعون أخذها منك مهما فعلوا، أشياء ليست مصنوعة من الحجارة، أشياء لا يستطيعون الوصول لها، أشياء لا يستطيعون لمسها، إنه الأمل.

آندي فعل كل ذلك وهو بسجن، محكوم عليه ظلمًا، فهل نستطيع نحن الأحرار فعل ما فعله آندي؟ هل نستطيع السعي إلى حريتنا والظفر بها مثل ما فعل آندي؟

أظن أن الإجابة تكمن فى كلمتين عرَفهم آندي جيدًا.

نعم.. بالقراءة والأمل..

إعداد/ محمد أبو عقيل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق