الأربعاء، 5 أبريل 2017

قصة قصيرة - عندما كرهت قطة عينيها العسليتين




اطمئنت القطة الأم على صغارها، وودعتهم لتمضي في طريقها بحثًا عن الطعام، كعادة كل يوم قطعت مسافة كبيرة حتى وصلت لتلك البقعة من الحديقة، والتي تعرف أن بها ما يكفي ليسد جوعها وأبناءها. ترددت قليلًا قبل الدخول فهي تعرف ما ينتظرها هناك، تتمنى لو تستطيع الاختباء الآن فلا يراها مخلوق. تتمنى لو لم تكن مجبرة على المجئ هنا كل يوم. مشت بكل ما تستطيع من بطء وخفة إلى داخل الحديقة، تتلفت إلى ما حولها برعب.


 ارتفع ذيلها خوفًا ونبض قلبها الصغير بشدة عندما رأته أمامها، إنه ذلك الكلب مجددًا. كان دائم التحرش بها وأذيتها كلما رأها، أوقات بعواء لاذع أو بنظرة مخيفة أو حتى بضربة سافرة. لا تعلم لماذا حقًا! كأنه يشبع نقصًا ما في نفسه عندما يشعر أنها ضعيفة أمامه وقليلة الحيلة، كانت دائمًا ما تتلقى الأذى في صمت، رغم أنها كانت تئن وتصرخ في داخلها. كان الخوف دائمًا يعلو على صوت الحق في عقلها.

لكن اليوم.. اليوم مختلف، اليوم قررت أنها لن تصمت، اليوم قررت أن تطالب بحقها، صاحت في جميع الحيوانات في الحديقة أن ينقذوها منه، أشهدتهم جميعًا علي ما فعل، وكان بعضهم قد رآه يمر بمخالبه القذره عليها بوحشية أثناء بحثها عن الطعام. كانت تنتظر أن يهموا جميعًا بالهجوم عليه ونجدتها، كانت تنتظر العدالة. لكنها صُدمت لترى عكس هذا تمامًا. فمنهم من اتّخذ موقفًا متخاذلًا فجعل ينظر إلى الخلاء وكأنه لم يسمع استغاثتها، ومنهم من حاول تهدئة الموقف بأصوات تدعو للهدوء والصلح، ثم كان هناك هؤلاء الذين اتهموها بأنها هيّ بالتأكيد من استفزته ليفعل بها هذا! ربما بمشيتها المتمايلة، ربما بذيلها الطويل أو حتى بعينيها العسليتين. نظرت حولها شاخصة الأعين من هول الصدمة! وكأن هناك ألف مخلب اخترقها، وألف جرح عميق ينزف بداخلها. مرت بعينيها عليه ورأت في عينيه تلك النظرة القاتلة زهوًا بالانتصار.



مرت الأيام على القطة وهيّ تتحمل أذية الكلب  في صمت، تتساءل في داخلها عما إذا كانت مخطأة حقًا! كرهت عينيها وذيلها وخطواتها المتمايلة! كرهت الحديقة ومن بها، صبت غضبها المكتوم على صغارها، حتى صاروا يتجنبون البقاء قريبًا منها، تتساءل لماذا خلقها الله قطة ضعيفة؟ لماذا لم يخلقها كلب قوي مثله؟ تتساءل لماذا يتخاذل الجميع عن نجدتها؟ تتساءل لماذا تعيش في مثل هذه الغابة التي لا قانون فيها ولا عدل!؟

لم تتصور القطة في يوم من الأيام أنها تستطيع أن تقتل كلبًا! فقوة جسدها لا تصل لحجم قوة قبضته، لذا فقد كانت متفاجئة مثل بقية الحيوانات تمامًا عندما توقف الكلب عن الحركة تحت قدميها. لا تتذكر حقًا فيما كانت تفكر بالضبط ذلك اليوم، جل ما تتذكره هو قطعة حديد قديمة ملقاة في الحديقة، طاقة غضب وكراهية تشتعل بداخلها و تكاد تحرق جسدها، وصراخ ثم صمت.

لا تشعر بالندم حقًا ولكن ينمو في داخلها ذلك الشعور بالعدم! تشعر أنها هيّ من ماتت وليس هو! لماذا لا تشعر بالارتياح فقد انتقمت؟ ربما لأنها لم ترد أن يحدث هذا كله من الأساس! ربما لأنها لم ترد أن تموت روحها معه! ولكنها الآن تدرك أنها قد ماتت في ذلك اليوم في الحديقة.. عندما كرهت عينيها العسليتين.
إعداد/ مريم الخطيب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق