السبت، 6 مايو 2017

مقال - زمن الشيخوخة





 مرحبًا أيها المسن

     متقاعد أرمل يعيش وحيدًا، أحيانًا يزور ابنه وينام في غرفة حفيدته، يستيقظ مبكرًا كل يوم، يغلق منبهه، يرتدى نظارته البنية سميكة الأطراف،
يغتسل ويلقي التحية على صور معلقة على الحائط تضحك وتبتسم أوتكتفي بالنظر والمراقبة ، يحضر (التوست) الصباحي اللذيذ، يحمل كوب ماء نصف ممتلئ يهتز في يده، يسرع به ليلقي بضع حبات في فمه يظن أنها تعينه على عافية البقاء بضع سنوات أخرى على قيد الحياة، روتينه اليومي مريح نوعًا ما لكنه غير راضٍ عن طريقة العيش تلك، دائمًا ما يظن أن لديه القدرة على فعل المزيد وأنه بخير طالما أنه يعيش حياته الطبيعية، يقرأ الجريدة ويلاحظ عدة عناوين تتحدث عن فرص عمل جديدة لكبار السن، يبحث عن عمل يلائمه، يختاره، يحدد بذلته الرسمية وحقيبته الكلاسيكية ليتقدم إليه وينام مطمئنًا أنه سيستيقظ على يوم ظن أنه لن يعيشه مجددًا وهواليوم الذى تقبل به وظيفة فيشعر بأن الحياة هي التي قد قبلت به أخيرًا كأي شاب في مقتبل عمره حصل على وظيفة تعيد بث الحياة إليه .

      عاد إلى العمل من جديد! مرورًا بالمقابلة الروتينية السخيفة التي لا تتغير صياغة أسئلتها لسنين ومرورًا "بكيف ترى نفسك بعد عشرة أعوام؟ هل تسمعني جيدًا؟ هل حقا تستطيع تحمل ضغوط وساعات العمل هنا دون كلل؟ هل تتذكر المكان الذى عملت فيه مسبقًا؟، عاد إلى العمل كأي رجل يسعى إلى حياة طبيعية متمثلة في بيت، شريك حياة لطيف وعمل يثبت له كل يوم أن لوجوده معنى وأن العمل لن يكتمل بدونه أو أن الحاجة إليه ضرورية؛ واثقًا في سداد آرائه تجاه حياته ومستقبل حياة الآخرين، مرتاحًا لأنه أدخل قميصه في بنطاله وقد ارتدى عليه بذلة العمل التي تذكره بقيمة عمله وقيمة ما يقدمه وهو يرتديها، حكيمًا بما يكفى لتقييم سعادته ورضاه بكل مكتسبات ومدخلات قد قَبل بها بإرادته، يجلس على سريره ليلًا ليرتبها وينظمها وينام مطمئنًا بأن كل شيء يبيت في مكانه الصحيح ..

 فلأى شيء غير ذلك قد يحتاج أكثر؟

 احترمك كرجل

      فاحترام الرجل المسن لا يشتمل فقط على مساعدته في تعبئه أوراقه داخل مستنداته ومساعدته لأخذ أدويته ومروره على الطريق وحمل أثقاله، مساعدته قد تشتمل أيضا على معاملته كشخص طبيعي ليس مريضًا يجب الاعتناء به طوال الوقت فالحمل الذى نظن أننا نزيحه عنه قد يزيده أحمالا وأعباءً أخرى لا يراها سواه، يمكنك فعل الاثنين معا، تحدث معه بأريحية، المهم أكثر من تزيين الكلام هوصدق الحديث ..

     لا تبالغ في انتقاء الكلمات خشية أن تضايقه ببعض التعبيرات الصبيانية الغبية، يخفى علينا أن التلقائية الشبابية التي تغمرك وأنت تتحدث تسعده كثيرا، وإن وقعت في خطأ بسيط وسط الكلام فاعتذر دون لفت الانتباه لسبب اعتذارك، فهويتفهم، وقد قبل اعتذارك بالفعل، واعجب بطريقتك ورغبتك الصادقة في احترامه،شاركه حكاياتك، وتأكد أنه سيكون متفهمًا حتى وإن كان من زمن آخر يختلف كثيرًا عن الزمن الذى تعيش فيه، فهناك أمور لا تتغير مهما تغير الزمان،لازالت هناك أمور نجهلها عن فن التعامل مع مجريات الحياة، هويعلمها، يعلمها بتواضع شديد، كأن يسرد لك عدة اختيارات ويشير بعينيه الناعستين إلى إحداها لتختارها بثقة .. تتلقى مساعدة كنت تظن أنه يصعب تلقيها من مسن، ربما لا يسمع كل كلماتك وقد ينسى نصف الكلام الذى تحكيه، لكن روحه لم تنس أدق التفاصيل،وعلى الأغلب ما يجيبك هوصدق روحه، التي سبق وأن مرت بكل ما تمر به الآن، لكنه يشق عليها التعبير، فتخبرك في عدة كلمات بسيطة حقيقة الأمور مجردة من المبالغات والتزيين وقد تسهي أنت عن كل ذلك ..


 الحب في زمن الشيخوخة

      يحمل منديلًا ليس لأنه قديم الطراز أو أن مظهره يكتمل إن وضع ذلك المنديل الحريري ذوالثلاث ورود الأقحوانية الأليفة في جيبه، النساء يبكين كثيرا، والرجل الأنيق هوالذى يحمل في معطفه منديلًا مطويًا بعناية لأجل دموعهن، ألم أقل لكم .. إنه حقا رجل متفهم ويسعى ليتفهم ..

      الاختلافات بين الرجل والمرأة صغيرة على كبرها وكبيرة على صغرها، لكنه طريق ذونهايتين فقط بدون بدايات، تقف المرأة عند نهايته الأولى والرجل عند نهايته الثانية، وطريق الطرفين ينحصر بين التقدم باتجاه بعضهما البعض أوالرجوع خطوات للوراء باتجاه خط النهاية من جديد، بالنسبة إلى الاثنين يعد الابتعاد نهاية، والسير للأمام أوالتقدم في العلاقات يقربهما حتى يجمع بهما في منتصف الطريق، المنتصف المنطقي الذى يجعل الطرفين مؤمنين بأن الحب لا يدوم على نفس وتيرته مدى الحياة،لا يرهق ولا يظلم أحد منهما الآخر بتوقع أكثر مما ينبغي أوأكثر مما هوقادر على تقديمه ومنحه لتلك العلاقة، وأن الاستقرار يذهب ويعود ومن آمن بذلك هو فقط من تمكن من إنجاح علاقته، المنتصف الذى يحمل عنده كل المصداقية، الراحة في السعي وسط الظلام لإشراقه، ومن ثم التقاط نقاطه السوداء بسهولة، النقاط التي تظهر كوضوح القمر في عتمة الليل، يتعامل  كل منهما مع غيرة القمر تلك بما يناسبها، يتصالحان معه فيسبح مرة أخرى متبسمًا أنيسًا في زرقة سمائه، ويعود ملجأ لنا يستمع لشكوانا بدلًا من الشكوى منا ..

      في النهاية هناك سر عظيم خلف حياة كبار السن، تتأملهم كأنك ترى نفسك بعد عدة سنوات، تأمل بأن تكون سالمًا حينها، وأن لا تزال أحوالك بخير، تتمنى أن يكون حولك مشاركات من أي نوع! عائلة، أحفاد، صداقات، زملاء عمل ..

    وأن يتملكك شعور الرضا وتعيد استكمال وترتيب الأحلام وتحقيقها من أجل الطفل الذى وُلد ذات يوم بداخلك، وقد أحاطتك بالفعل حياة قد مررتها ووصلت لذريتك من خلالك، كما وصلت أنت إليهم من خلالها، هناك زوجة تحبك إلى جانبك، تتحسس من أجلك عبوس الحياة فتعود لتبتسم ،تتورد هي في عينيك من جديد، تحمل عنها تجاعيدها فتتورد لأجلك أكثر بعد. 

تم الإعداد بواسطة/ ندى أحمد عبد المعطي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق