شعور غريب يراودني عند وقوفي في شرفتي.. عندما يقع في مرأى عيني.. سماء تزينها السحب... تحتضنني في قلبها في
أرضها.. تحنو علي بنور يخترق غشائها ليضيء عالمي...
وأرض تنتصب عليها شجرة أمام إحدى البنايات
تتلألأ أوراقها الخضراء تحت أشعة الشمس.. تبتهج برؤياها عيني..
حيوات مثلي.. كل بحجم متفاوت ولون ووجه
منفرد.. لكل غايته واتجاهه...
وحيوانات مختلفة الأجناس تجلب رزقها.. إما تسير على أقدامها أو
تسخر الهواء لصالحها فتسبح فيه بخفة...
نسمات هواء مترابطة تصلنا بكل شيء.. وتحمل في طياتها خبرات
لكل شيء.. تشاهد ما يحدث في أرجاء البلاد.. شاهدة على سكنات كل البشر.. قد تحمل في ذراتها أريج
من عطر حبيبتي أتنشقه دون أن أدري.
حين أدرك ضياع ثانية من وقتي.. قد دارت الأرض خلالها نصف
وحدة من الكيلومترات حول محورها.. وثلاثين وحدة من الكيلومترات حول الشمس.. أشعر بالإهانة وأستصغر
نفسي أمام ذلك النظام الكوني الطاغي على سنوات عمري.. يتحرك في مدارات بغير
إرادة منه ولا يكل أو يمل.. بسرعات هائلة.. لتفر بذلك سنوات عمري الستين أمام عيني في لحظات.
أيا كان اليوم.. أيا كانت الساعة.. مهما كان من كدر يدنس
مزاجي.. ما إن أتطلع الى الشرفة وأغرق في تأملاتي هذه.. حتى أتلاشى رويدًا رويدًا
لأندمج كليًا مع الكون.
ما إن أفيق وألملم شتات نفسي المبعثرة ما بين يد
يربت عليها الهواء برفق ويتخلل أصابعها.. وعين تغوص في أعماق سماء
تتبادل الحب معها.. وأذن تطربها زقزقة طيور وتدغدغها.. حتى أجد نفسي مختلفًا بشكل
ما عن السابق.
شيء ما يسري في عروقي زاد من طاقتي ورغبتي في
الحياة.. شيء ما زاد من صفاء ذهني وحبي لأن أمضي قدما أخوض دروب الحياة.
أشعر وكأن جسدي قد امتص شيئا من ذلك الكون...
وكأن سماء عالم عقلي وخيالي قد اصطبغت بلون أزرق.. أفضى علي شيء من الثقة
والأمان...
وكأن أرض عالمي التي تقف عليها روحي.. قد لونت باللون الأخضر
فزرع فيها أشجارًا وأزهارًا تزينها وخلق طيورًا تداعب بعضها على الأشجار وتحلق.. فأضفى عليه شيء من الجمال
والسلام وزاد من نشاطي وتفاؤلي وحماسي...
أشعر وكأننا اندمجنا.. وأصبحنا روحًا واحدة...
أشعر وكأنه صديق حميم لي وقد أخذ يوحي إلي بعض
من عظاته سرًا بلغة لا يدركها غيرنا ...
يقول لي.. هناك جبال راسخة لا يقدر
على زعزعتها أحد.. وهناك شجرة اخترقت الصخر لتعيش شامخة تؤدي مهمتها بكل إتقان وسلام.. بأن تعطينا غازنا الذي
نتنفس لكي نحيا.. ولا تبال إن جزها أحد بفأسه.. وهناك رياح عاتية تفعل ما
تريد بمن تريد.. وشمس ساطعة تنير لغيرها وتدفئ.. وبحر يحمل الناس من موضع
لموضع ويطعمهم من لحمه ليأكلوا...
يقول لي.. كن الجبل والشجرة.. كن البحر والشمس.. كن كالريح زئير على من
يظلم...
أصبحت أضم بين جوارحي كونًا يلهمني وقت حاجتي... أصبحت أرغب في الحياة
أكثر وأن أواجه مصاعبي بكل ثقة وحماس.. وأصبح مزاجي صفيًا نقيًا
رائقًا... ترى هل دقائق قليلة أسرقها من وقتي على الشرفة.. لا تستحق بعض الاهتمام!!
إعداد/ عبد الرحمن علي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق