السبت، 4 مارس 2017

مقال - الكنز في الرحلة



"كنت دائمًا على عجلة من أمري. الكثير من السنوات مشوشة الآن في عقلي لا أتذكرها، كنت أسعي دائمًا للوصول إلى المرحلة القادمة من حياتي، دون الإستمتاع بما لدي الآن." قالتها سيدة مسنة عندما سُئلت عن أفضل سنوات عمرها.

هل يمكنك التفكير في ذكرى مميزة لكل سنة مرت من سنوات حياتك؟ معظمنا لا يستطيع لأننا وكما فعلت السيدة، نسرع الخطى ونتسابق للوصول للقادم دون الالتفات لما يحدث الآن.


يحكي عالم النفس Shawn Achor أنه بعد تخرجه وعمله كمستشار نفسي للطلبة في جامعةHarvard  -والتي تعد من أفضل وأقدم الجامعات الأمريكية، ومن أقلهم في نسبة قبول الطلاب المتقدمين إليها- كان يظن أن الطلاب سيكونون سعداء للغاية بنجاحهم في الوصول للدراسة هناك، ولكنه لاحظ أنه بعد فترة قليلة جدًا تختفي تلك السعادة وتتحول إلي ضغط، منافسة، حزن وشكوى. لأن عقلهم قام بالتركيز على المستقبل فقط، على أهمية المركز الأول وشراسة المنافسة، ونسي أن يُقدر ما يملكه الآن من امتيازات يحسدها الكثيرين.

إن طريقة إدارتنا للأمور وتربيتنا لأبنائنا تعتمد على مبدأ أنه كلما زاد الجهد كلما زاد النجاح، وكلما زاد النجاح زادت السعادة، الخطأ هنا أنه كلما وصلت لنجاح ما، يبدأ عقلك مباشرة في التفكير في زيادته والوصول إلى نجاح آخر. حصلت علي مجموع جيد في الثانوية العامة، الآن عليك أن تتفوق في كليتك، حصلت على عمل، الآن عليك الحصول علي ترقية، كتبت مقالًا جيدًا، الآن عليك كتابة مقال أفضل! لقد جعلنا سعادتنا متعلقة بالنجاح القادم دائمًا حتى لم  ندركها. لما لا نسعد بما نحن عليه الآن أولًا ثم نحاول الوصول لشيء آخر؟ هل يحقق النجاح السعادة أم ربما العكس هو الصحيح؟ حسنًا فقد أثبتت الدراسات أن الإنسان السعيد ينتج أكثر، وأكثر كفاءة من الإنسان الذي أُثقلت كتفاه بالهموم.

الرضا بما نحن عليه الآن والفخر بنجاحنا الحالي، لا يعني أبدًا التوقف عن الطموح أو السعي للأفضل، إنه يعني فقط ألا نكلف أنفسنا زيادة عن طاقتها، فشتان بين محاسبة النفس وجلد الذات، يعني أن نتوقف قليلًا عن القلق، أن نأخذ نفسًا عميقًا ونعدد النعم في حياتنا ونشكر الله عليها، أن نحتفل بكل إنجاز حققناه مهما كان ضئيلًا، أن نتوقف عن مقارنة أنفسنا بالآخرين ونبدأ في تقبل من نكون.

وكما يحكي كتاب "الخيميائي" عن الشاب الذي قطع دربًا طويلًا للوصول للكنز، وفي النهاية علم أن كنزه الحقيقى كان في رحلته، ربما علينا نحن أيضًا أن نتوقف قليلًا ونقدر رحلتنا ونعيشها بحق حتى لاتكون مشوشة حين نحاول أن نتذكرها.

إعداد/ مريم الخطيب.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق