الاثنين، 22 مايو 2017

قصة قصيرة - دكان العجوز


 
-قلت لك تمهل وأمسك البندقية كما قلت لك.
-ما أريده منك هو أن تصمت، أنا أعرف ماذا أفعل -أقول له وأنا أمضغ علكة في فمي-.
-لن تصيب شيئا يا فتى.
-أترى بسبب كلامك لم أصب شيئًا -أضيف وأنا أقذف كلماتي حمما- لن أدفع لك شيئًا أيها العجوز، في المرة 
القادمة عندما تصمت سوف أدفع، أتفهم.

أغادر دكان التصويب بالبنادق، وأتأفف بسبب محاولاتي اليائسة.
أعدل من سترتي وقبعتي السوداء العريضة وأحدث نفسي (حسنا لا يهم، سوف أحاول غدًا، المهم أن أعيش بطريقتي).

أعود في اليوم التالي إلى ذات دكان البنادق فأجد العجوز صامتًا، فقط ابتسم عند رؤيتي.
أمسك البندقية وأضعها بين ذراعي تحت إبطي، وأمضغ علكة بطعم الفراولة، ثم أخفض رأسي قليلًا، لأنظر من القناصة على صندوق التصويب وأصوب على ذاك الشيء الملون الصغير فيها.
أضغط الزناد وكالعادة لا أصيب.
أحاول مرة أخرى وأدقق النظر في الهدف وأثبت البندقية جيدًا وآخذ نفسًا عميقًا، ولكن أخطأت الهدف.
أكرر محاولاتي عشر مرات وفي كل مرة أحاول جاهدًا أن تفلح طريقتي ولكن ذهب جهدي سدى.
-(أدفع للعجوز النقود بصمت وأقول) لقد أعجبتني اليوم وتستحق تلك النقود عن جدارة، أريدك هكذا دائما وإلا لن أدفع شيئا.

أغادر وأسير في الطريق المؤدي إلى بيت أحد أصدقائي لألتقي به ومن ثم نجمع باقي الأصدقاء ونأخذ جولة في البلدة.
أحاول فقط أن أعرف الخطأ في طريقتي، ما علي سوى المحاولة جاهدًا فقط لأصيب، هذا ما أتوقعه، أما الطريقة المؤدية إلى ذلك، فلا تهم ما دمت سأصيب، لن أعيش على طرق أحد لكل طريقته.
أنادي على (أحمد) فيهبط إلي ونسير معًا.
-ما أخبار رمياتك -يبادر أحمد بالسؤال-.
-لا تذكرني، يبدو وجه العجوز يضفي نحسًا على حظي.
-هاهاهاها ما زلت كما أنت عنيد.
-العند من شيمي.
-لا تضع وقتك وطاقتك في شيء كهذا فتخسر وقتًا طويلًا في شيء يمكن أن تتعلمه في لحظات.
-لقد علمك العجوز بعض الحكم، أتساءل لماذا أخذتها منه وكان يمكن أن يكون لك حكمك الخاصة بك ؟
-لن يكون لك شيء إن لم تتعلم من غيرك أشياء، أنا كما تعلم أخوض مباريات الرماية وأفوز بالعديد منها، بعد أن دربني العجوز، وصرت الآن أتفوق عليه.
- لا تدع حكم العجوز الخرف تتمكن منك فلسوف أتقن طريقتي وأتحداكما وأفوز عليكما.
-حسنا ... أتمنى لك ذلك حقًا، لأتعلم عن طريقك طريقة جديدة أضيفها إلى ما تعلمته.
- ذلك بعد أن تناديني بسيدي.
ضحكنا ومن ثم جمعنا أصدقائنا وبدأنا جلستنا بالقرب من بيت محبوبتي لأتبادل أنا وهيا النظرات قليلًا، ومن ثم أكملنا سيرنا إلى بيت محبوبة أحد أصدقائي وقد أوشكت الشمس على الغروب.
بدأ صديقي بالغناء لمحبوبته وهي تقف في شرفتها وأنا أعزف بمزماري وبدأ آخرون يرقصون ويتمايلون، إلى أنا خرج رجل من شرفته وأخذ يقذفنا بسبات ولعنات وهددنا إن لم نتوارى عن عينه سينزل إلينا ويذبحنا كما تذبح الشاة.

انتهينا ليلًا من سمرنا، وضي القمر المكتمل يزين الأفق.
ودعت أصدقائي بعد أن اتفقنا على الالتقاء في الغد.
تمشيت وحدي تجاه بيتي وأنا أتخلل المنازل لأختصر الطريق.
ما إن بدوت على مقربة من بيتي وأصبح في مرمى عيني حتى أفزعني صراخ امرأة أضافت بعده بصوت عال "سارق ... سارق".
أسرعت تجاه الصوت لأجد من يقفز من منزل بدورين ويحمل حقيبة بيد وراء ظهره ومن ثم جرى بسرعة.
أسرعت وراءه لأدركه.
كاد يختفي عن ناظري مرات إلا أنني كنت اتخلل المباني لأصير على مقربة منه.
مررت بدكان العجوز والتقفت بندقية وبعض الرصاصات بسرعة خاطفة وأودعت رصاصة بداخلها أثناء الجري.
صوبت تجاه قدم الرجل لكي أشله عن الحركة ويسقط أرضا.
أطلقت الرصاصة فلم تصبه، عمرت البندقية بسرعة وأنا أتلظى غضبًا ومن ثم صوبت تجاه قدمه مرة أخرى، وأنا أحاول الاقتراب منه.
أطلقت الرصاصة فإذا به يسقط ارضا، فهرولت تجاهه بسرعة وأخذت أركله وأسبه وأفرك بقدمي رأسه في الأرض مفرغًا غضبي عليه
فوجئت بأهل القرية يرجمونني بنظرات غاضبة ويقول أحدهم "توقف يا غبي" وآخر يصرخ "لقد سرق هو أما أنت فقتلت تبا لك".
قلت في نفسي (قتلته! ماذا.. لقد صوبت تجاه قدماه) جثوت فزعًا على الأرض وأنا أتحسس قدميه لأعثر على أثر للدماء أو الرصاصة فلم أجد شيئ.
اتسعت عيناي رعبًا وأخذت بخوف أتحسس صدره.
تراجعت خطوات للوراء وأنا ناظر إلى يدّي اللتين تمتزجان بالدماء التي تغرق موضع قلب الرجل.
اجتمع الناس حولي وحول الجثة، ينظرون لها بشفقة، أما أنا فيقذفون حروفًا قاتله "قاتل".
أخذوا الجثة وذلك الشيء الذي كان يمسكه بيده وردوه إلى صاحبته.
علمت فيما بعد أنه رجل من أهل القرية أصم وأبكم لا يقدر على العمل، زاد ذلك من ندمي على فعلتي.

أتذكر القدر وتسخيره للعجوز و(أحمد) صديقي يحاولان نصيحتي وتعليمي، وتصميمي على صدهم.
لقد جنيت على نفسي بعنادي، وقد أدى القدر ما عليه بشأني.
أنا الملوم الوحيد في هذا، وقد أتت عواقب تهوري وعنادي وخيمة فادحة.
وما يدريك ما يسوقه لك القدر نتيجة لأفعالك، فجأة تجد نفسك قد دفعت الثمن.

إعداد/ عبدالرحمن علي





الأحد، 21 مايو 2017

خاطرة - من أنت؟


من أنت أيها الكئيب المحاصر بالخراب من حولك؟ لماذا تترك نفسك وسط كل هذه القذارة؟ ألا ترى النور الذى يدخل إليك؟ماذا تنتظر؟نهاية العالم !!

لا أدري ما الذى يعجبك في ذلك المكان؟ أوجودك في مكان مثل ذلك يريحك؟ أعرف أن العالم الخارجي مليء بالنجاسة أكثر من ذلك المكان، والأشخاص متعبون لا تعرف لهم كتالوج، يوم معك وعشرة ضدك، ولكن يا صديقي علينا أن  نحاول تغيير ذلك الواقع، أتدري ما دمت موجود في ذلك المكان فإنك لا ترى غيره، خروجك هو الحل، اخرج من ذلك المكان واترك  الخراب الذى عشش في نفسك، ودعنا نجرب حظنا معًا و نعافر، ربما نصل إلى ما نريد... التجربة تعلم كثيرًا، فقديمًا قال لي صديق: الفرصة لا تأتي كثيرًا فجرب حظك وخض التجارب ولا تخف، فالتجارب وحدها هي من تعلمنا، حتى لو كنا نمشي في طريق خطأ، سوف نتعلم من كل طريق نخوضه، ومن كل موقف يمر علينا..

أتعرف يا رفيقي، كثيرًا ما أفكر لماذا أوجدنا الله في حياة بعضنا البعض في هذه اللحظة؟
بحثت عن إجابة ولكن بدون أى جدوى.
وعرفت بعدها أننا رسل في حياة بعضنا البعض، وجودنا هنا لرسالة معينة، أقدمها لك وينتهي دوري، ويأتي بعدها دور رسول آخر ...هيا بنا نمشي سويا ..

انظر حولك فإن التغيير ينتظرك، انظر إلى النور الذي يأتي من بعيد، اتركه يظهر وجهك المنطفئ، لا تترك نفسك يتملك منها الإحباط، فالتغيير سنة الكون، التغيير سنة الأميبا والطحالب، وكل الشعوب من مملكة الفطريات إلى مملكة بذرة الكتان، التغيير ليس له مكان، التغيير ممكن أن يكون بالطول، ممكن أن يكون بالعرض، التغيير لا حدود له.
 ولكن الذى يفرق بيننا هو السعي يا رفيقى، أحيانًا يكون طريقنا مظلم ولا نعرف له نهاية ومليء بالتوهان والخيبات، ولكننا نسعى لنعرف نهايته، ولو كان الطريق خاطئ فإننا نسلك طريقًا آخر، فنحن موجودون في هذا العالم لنتعلم، وأنت لك تأثير في هذا العالم يا عزيزي لا تتخلى عنه.

لماذا تعشق الظلام؟ هل تريد أن تعرف من أنت؟ هل الإجابة ستفرق  معك؟ هل تغير منك في شيء، لا أعرف ولكن  ما أعرفه أنك ستبقى أنت أيها الرفيق الكئيب في مكانك لا تريد التغيير إلا إذا رأيت نفسك من داخلها، ورأيت النور فيها، انظر في مرأة نفسك، و إبحث عن نفسك داخلها، ابحث عن الحب والتسامح وكل المشاعر التي  سوف تدرك بها ذاتك أولًا، بعد ذلك سوف ترى صورتك بشكل اوضح، ووقتها سوف تعرف من أنت؟


إعداد/ سمية محمود

الخميس، 18 مايو 2017

قصة قصيرة - من أجلهم




صديقي العزيز
أحكي لك الآن عن حديث النفس الذي يحوي أفكار من شأنها أن تحيي القلوب، وتنير العقل، وأخرى تغتال الروح بسلبيتها التي تحمل الحزن والغضب.
كالعادة بدأت يومها بإعداد الفطور، ثم أنهمكت في الأعمال المنزلية بعد إنصرافهم، شعرت بالدوار فجلست بعض الوقت، فأخذها التفكير
لقد أرهقني العمل، قدماي تؤلماني وظهري يكاد يصرخ من الألم، وتذكرت شعوري سابقًا حين كنت أقوم بمثل هذه الأعمال وأكثر، فأما الآن أتعب بسرعة ولا أتحمل، كنت سعيدة حقًا بتلبيتي لهم ولأعمالهم، تروي قلبي ابتسامتهم، وتنهيدة أحدهم حين أرفع عنه عناء عمل خاص به تبهجني، وبكاء طفلي الأصغر عندما تعثر ووقع أهرول عليه أحتويه بحضني، وزوجي العزيز حين يكون في غرفة المكتب يقوم بإنجاز بعض الاعمال أقوم بصنع بعض من الحلوى وكوب من الشاي بكل سعادة، وفتاتي الوسطى تحب تناول العصير وهي تدرس تجده جاهزًا دائمًا، وابني البكر يأتي بأصدقائه للعب كرة السلة في باحة المنزل وطلباتهم لاتنتهي.
ينتهي يومي وجسدي منهك، اليوم أنا حزينة حقًا فقد مرت أعوام على هذا المنوال، ولم يأبه أحد قط لم أفعل ذلك!! ولا أري أي شكر أوامتنان أبدًا؟
عندها ذهبت لزيارة والدي ومكثت لديه أسبوعًا، قلت في نفسي حتمًا سيشتاقون لي ولن تمر أيامهم على خير لأني لست موجودة فأنا صاحبة المهام المتعددة
لم يحدث كما ظننت ولم يؤثر غيابي كثيرًا ولاحتى قليلًا، قد مرت أيامهم، لم يتوقف زوجي عن الذهاب للعمل وابنتي تدرس كعادتها، وابني أقام مباراة وفاز بها
ماذا! هل أضعت عمري من أجلهم هباء!
أجهدي وصبري وآلام جسدي ذهبت سدى!
والأهم نفسي التي ذابت بهم ولم يعد لها وجود!
لم أحب قط أن اقوم بأمر لنفسي حتى أستثمر الوقت لهم، أعطيتهم أثمن مايعطى، أعطيتهم الحب!
وفي محاوله لاستعادة النسخة الأصلية مني، نظرت بداخلي من أنا ولم أفعل ذلك؟
ماذا أريد من الحياة ؟ ماذا أحب ؟!
زرت أحلامي ،وأزحت التراب عنها وجدت أحلامًا عظيمة ومخططات رائعة، قرأتها من دفتري القديم وتعجبت كل العجب فقد نالني الغيظ ،فكلها في النهايه تعود بطريقه او بأخرى لهم!
ذبت كما يذوب االسكر بالماء لا أستطيع أن أنفصل أبدًا
عندما كنت أفرح كان لهم، وحين أحلم أيضًا لهم، حتى عندما أمسك قلمي وأطلق العنان لأفكاري كان لهم، وربما الآن أكتب ما بداخلي لهم!
أردت فقط أن أشعر أني في المسار الصحيح، أترك أثرًا في حياة أسرتي  وياله من أثر عظيم، تُبني الأمم من أشخاص ساعيين للخير، أردت صنع أولئك الأشخاص الناجحين من خلال الحب والعطاء!

أردت فقط الشكر!


إعداد/ صفية محمد

الأربعاء، 17 مايو 2017

خاطرة - قدر

نتيجة بحث الصور عن شخص يدعو

إنه الجمعة أحب الأيام على الأرض، بكل تفاصيل اليوم الزهرية المليئة بالذكر والرحمة، تفتح الأم شباك الغرفة لتتسلل أشعة الشمس داخلها، يتأفف وحيدها قائلا: أريد النوم أغلقيه.
تبادره باسمة: إنه الجمعة يا علي، وميعاد الصلاة قد أوشك ..
بعد مشادات معه لم تكن بمستعصية، وافق علي على النهوض، صلى الظهر في المسجد مع والده، وتجهز للسفر مقبلًا يد والدته، وودعته أمي بحنين زائد هذه المرة وهي تجهل السبب، وغلبت أبي لهفة اشتياقه وأخذ يضمه كثيرًا، وركب السيارة في سلام وأخذ معه قلب أمي، ساعات قليلة حتى انقلبت السيارة، مات أغلب أصدقائه أمام عينيه، من قُدر لهم النجاة، نجوا، ومن كُتب أجلهم، فقد رحمهم الله ..

أما عن جميل الطلعة، خفيف الظل، كثير الضحك والكلام، لم يصب بسوء، لم تمسسه شوكة حتى! ظن الغافلون أنه لم يكن بالحادث من أساس، جهلوا أن الله أحاطه بملائكته ورحم قلب أبيه وأمه وأعاده لهم بسلامة ومعجزة  قدرية دنياوية  عظيمة
 أحيط العالم كله بالصراخ، أما عن أمي، تلفحت بوشاح ما أهدته لها جدتي، وأخذت تردد في صبر غريب: يارب .
تلك الأحداث جعلتني أقف مذهولة، قلب أمي مصنوع من حديد صلب، ورغم لهيب الظروف القاسية لم ينصهر، ما سر القوة التي بتلك المرأة؟! أبلغوها تارة أن جميع من بالسيارة قد رحل..
ثم تارة أخرى:
جميع من بالسيارة قد أصيب إلا ابنك.
كيف كانت تقع تلك الأحداث عليها؟، كيف تقبلت تلك الأخبار دون دموع أو شكوى؟
 وماذا عن أبي الذي رزقه الله بولد بعد أربع فتيات، إنها ليست عادة متخلفة، كما يبشر المرء بالأنثى، تبشر ملائكة السماء بقدوم الولد، كاد أبي أن يبلغ السبعين من عمره، الحياة صعبة للغاية لكنه ما اشتكاها أبدا، وألهمه الله الصبر واليقين وجزاه على كثير من أفعاله خيرًا.
 أما عن كيف كان ذلك وكيف لم يصب بسوء، وكيف بفضل الله ساعد من ساعده، فالإجابة تتلخص في ثلاثة أحرف: قدر .

آمنوا به، أحبوه .. إنه أجمل ما في الحياة، الوجع الذي قد تشعر به لأجل موقف ما، ماهو إلا وشاح رحمة ولطف، ولكن إيماننا الضعيف بترتيب القدر جعلنا نعيش في حالة من الوحشة والهم..
إنه الله يا أحبائي، وما أتى لقلبك من "أه" متعددة الألوان،لا بد وأن تسعد في النهاية قائلًا "لقد فرجت، ما أرحمك ربًا يا الله".


إعداد/ ياسمين محمد

الثلاثاء، 16 مايو 2017

خاطرة - ثلاث كلمات


كل شيء يبدأ من بضع كلمات في كتاب شيق، لتجد نفسك فجأة تسبح في عوالم أخرى ليس أحدها عالمك.. عوالم سبق وسبح بها الكاتب وقرر أن يشاركك عظمتها وجمالها، وأن يساهم بكلماته في بناء عالم جديد داخلك.

دائمًا ما أتذكر الاقتباس القائل "قيمة الكتب ليست في كمالها الفني، بل في استطاعتها أن تعيش في حياة طائفة من البشر" فتمر على ذهني كل تلك المواقف والمحن التي ما كنت لأستطيع التعامل معها في الحياة لولا أنني عايشتها قبلًا على صفحات الكتب؛ فأشعر أنني مدينة لهذا الكتاب، مدينة أنا لكل الكلمات التي قد قرأتها يومًا، لكل تلك الحيوات التي عشتها.. للأيام التي حلّقت بها في فلورنسا مع (دان براون)، وللغات الحب التي أجدتها على يد (جاري تشابمان)، ولكل السلام الذي حل بقلبي حينما تعلمت قواعد العشق التي خطتها (إليف شافاق).

أصدق في بعض الأحيان أن الكتاب اختارني، أنه كان ينتظرني، وأنه يعلم جيدًا إن كنت أحتاجه، وأحتاج لكل تلك الأفكار التي راودتني من خلاله، وأحتاج لأن أنظر الآن تحديدًا إلى تلك الحياة المسطورة على الأوراق وأن أعيش تفاصيلها، وكأنه كان يعلم كم كنت أحتاج لكل تلك الطاقة التي يمدني بها.. لازلت أذكر كم عدد المرات التي قررت بها قراءة كتاب فوجدت الكتاب يقرأني، وجدت كلماته تتوغل داخل عقلي، وأفكاره تجول بوجداني وتجد كل الأفكار التائهة وتحولها كلمات لتضعها نصب عيني، كم من مرة استطاع الكتاب أن يمتص غضبي؟! وكم من مرة استطاع الكتاب أن يصف حبي؟!.. لا أحد يستطيع التوغل داخلي وقرائتي كما يفعل الكتاب.

الكتاب تجربة وعقل وحياة.. يمكنني أنا الصغيرة في العمر أن أقرأ كتابا فأمر بألف حياة، وأعيش ألف تجربة، وأصادق العديد من البشر، يمكنني أنا ابنة القرن الحادي والعشرين أن أمر بساحة معركة في العصر الفاطمي، وأن أشارك إنسان العصر الحجري دهشته باكتشاف النار.

 لذا فأن تكون قارئًا يعني أن تحمل بداخلك شغفًا يمدك بالحياة.. أن تكون قارئًا يعني أن لكل مشكلة كتاب.. أن تكون قارئًا يعني كل كتاب يصنع منك إنسانًا جديدًا.. أن تكون قارئًا يعني أنك قادر على التوحد بالكون من خلال الكلمات.

إعداد/ دنيا يحيى

السبت، 13 مايو 2017

خاطرة - أن تضم بين جوارحك كونًا




شعور غريب يراودني عند وقوفي في شرفتي.. عندما يقع في مرأى عيني.. سماء تزينها السحب... تحتضنني في قلبها في أرضها.. تحنو علي بنور يخترق غشائها ليضيء عالمي...

وأرض تنتصب عليها شجرة أمام إحدى البنايات تتلألأ أوراقها الخضراء تحت أشعة الشمس.. تبتهج برؤياها عيني..
حيوات مثلي.. كل بحجم متفاوت ولون ووجه منفرد.. لكل غايته واتجاهه...

وحيوانات مختلفة الأجناس تجلب رزقها.. إما تسير على أقدامها أو تسخر الهواء لصالحها فتسبح فيه بخفة...
نسمات هواء مترابطة تصلنا بكل شيء.. وتحمل في طياتها خبرات لكل شيء.. تشاهد ما يحدث في أرجاء البلاد.. شاهدة على سكنات كل البشر.. قد تحمل في ذراتها أريج من عطر حبيبتي أتنشقه دون أن أدري.

حين أدرك ضياع ثانية من وقتي.. قد دارت الأرض خلالها نصف وحدة من الكيلومترات حول محورها.. وثلاثين وحدة من الكيلومترات حول الشمس.. أشعر بالإهانة وأستصغر نفسي أمام ذلك النظام الكوني الطاغي على سنوات عمري.. يتحرك في مدارات بغير إرادة منه ولا يكل أو يمل.. بسرعات هائلة.. لتفر بذلك سنوات عمري الستين أمام عيني في لحظات.
أيا كان اليوم.. أيا كانت الساعة.. مهما كان من كدر يدنس مزاجي.. ما إن أتطلع الى الشرفة وأغرق في تأملاتي هذه.. حتى أتلاشى رويدًا رويدًا لأندمج كليًا مع الكون.

ما إن أفيق وألملم شتات نفسي المبعثرة ما بين يد يربت عليها الهواء برفق ويتخلل أصابعها.. وعين تغوص في أعماق سماء تتبادل الحب معها.. وأذن تطربها زقزقة طيور وتدغدغها.. حتى أجد نفسي مختلفًا بشكل ما عن السابق.
شيء ما يسري في عروقي زاد من طاقتي ورغبتي في الحياة.. شيء ما زاد من صفاء ذهني وحبي لأن أمضي قدما أخوض دروب الحياة.

أشعر وكأن جسدي قد امتص شيئا من ذلك الكون...
وكأن سماء عالم عقلي وخيالي قد اصطبغت بلون أزرق.. أفضى علي شيء من الثقة والأمان...
وكأن أرض عالمي التي تقف عليها روحي.. قد لونت باللون الأخضر فزرع فيها أشجارًا وأزهارًا تزينها وخلق طيورًا تداعب بعضها على الأشجار وتحلق.. فأضفى عليه شيء من الجمال والسلام وزاد من نشاطي وتفاؤلي وحماسي...
أشعر وكأننا اندمجنا.. وأصبحنا روحًا واحدة...

أشعر وكأنه صديق حميم لي وقد أخذ يوحي إلي بعض من عظاته سرًا بلغة لا يدركها غيرنا ...
يقول لي.. هناك جبال راسخة لا يقدر على زعزعتها أحد.. وهناك شجرة اخترقت الصخر لتعيش شامخة تؤدي مهمتها بكل إتقان وسلام.. بأن تعطينا غازنا الذي نتنفس لكي نحيا.. ولا تبال إن جزها أحد بفأسه.. وهناك رياح عاتية تفعل ما تريد بمن تريد.. وشمس ساطعة تنير لغيرها وتدفئ.. وبحر يحمل الناس من موضع لموضع ويطعمهم من لحمه ليأكلوا...
يقول لي.. كن الجبل والشجرة.. كن البحر والشمس.. كن كالريح زئير على من يظلم...


أصبحت أضم بين جوارحي كونًا يلهمني وقت حاجتي... أصبحت أرغب في الحياة أكثر وأن أواجه مصاعبي بكل ثقة وحماس.. وأصبح مزاجي صفيًا نقيًا رائقًا... ترى هل دقائق قليلة أسرقها من وقتي على الشرفة.. لا تستحق بعض الاهتمام!!

إعداد/ عبد الرحمن علي