الأحد، 27 أغسطس 2017

خاطرة - تفاصيل




أتفقد هاتفي ولا أجد ما أفعله، أتفحص رسائلي الالكترونية حيث لا جديد؛ لا رسائل ولا شيء يستحق الرد أو بالأحرى لا يوجد من يهتم لأمري
أفكر في فتح معرض الصور ولكن تخونني أصابعي متراجعة! ما الذي أفعله فلا يوجد من الذكريات ما يستحق أن أراه. فقط وجوه متشابهة وملامح زائفة يكسوها النفاق؛ فجميعهم يبستمون في الصور، ولكن من منهم بجانبي الآن؟!
فأتراجع وأفكر في أن أنفس عن كبتي هذا ببعض الكلمات على  (Facebook)... فيخطر بمخيلتي بعض من الأقرباء المتطفلين يتسائلون في فرح عما أمر به -وكأنهم يهتمون لأمري- وتتوالي الغمزات والهمزات واللمزات، حينها أقرر أن أعرض عن تلك الفكرة .
ويستمر الحال هكذا فأجوب في هاتفي، وأتنقل وقد سئمت كل شيء، حتى اهتديت لمفكرتي الإلكترونية التي لطالما حوت العديد من أسراري، فشعرت بأنه لا بأس في أن أشاركها سرًا جديدًا وأضيف لها بعض السطور...
وانتهيت من تلك السطور الباهتة ودفنتها بجانب أخرى لم تُقرأ بعد، ولن يَقرأهم أحد.
ودفنت رأسي في وسادتي أفكر...هل من خلاص ؟!
لقد بهتت ألواني فجأة!
وأصبحت سمائي ملبدة بالغيوم
تقل دعابة روحي.. وتتواري ابتساماتي تدريجياً!
وحدها حروق قلبي شاهدة على ما أعانيه من صراعات... وحدها الدمعة المترقرقة في عيني التي دائمًا ما تأبى الخروج، لتستقر في الأجفان فتؤرقها وتعيقها عن رؤية مباهج الحياة!
 خارت عزائمي ولا أقوى علي المزيد من الخيبات...أحاول إعادة هيمنة قلبي المبعثر الأجزاء، لن أتحمل ضربات جديدة... أتمني لو أنني في مكان ناءٍ عن البشر، فيه أكون وحيدة بأحزاني متكفلة بها، وتتكفل هي بي.
حينها اكتفي،
ولا حاجة لاستقبال المزيد! 
فكل ما يؤرقني هو وجودي بجانبهم، وحزني غالبًا إما بسبب عدم قدرتهم على إسعادي أو عدم قدرتي!  فكلانا في حالة عجز عن إيفاء الآخر حقه.. فلقد سئمت  حقًا شعور الأيدي المكتوفة.
سئمت العجز الماثل أمامي في عدم مقدرتي على إسعاد نفسي.. فلماذا لا تكون سعيدة؟!.. فهي تستحق السعادة.. أحيانًا أمعن التفكير بها فأشعر بغصة في قلبي.. يالتعاسة هذه النفس!
لأنها سكنت جسدي! ولكن كل هذا لن يجدي نفعًا... فما هو علاج النفس الجامحة أحلامها؟!
لابد لي من إكرامها لقد رأت ما يكفيها معي
فأغفري لي، وشدي بأذري لأرجعك لحالات زهورك وتفتحك
فهذا لا يليق بك فلطالما كنتِ نفسٌ براقة مزهرة!Description: https://ssl.gstatic.com/ui/v1/icons/mail/images/cleardot.gif


إبداع الكاتبة\ هند مرزوق

الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

قصة قصيرة - لحظة خاطفة




جدران الحائط ألوانها غير التي أعتدت.. هكذا وجدتني بمكان غير الذي كنت فيه.. حين فتحت عيني ولم أكن أدرك شيئًا بعد، وألم برأسي ودوار وشعرت بثقل جسدي عن الحركة.. أخبرتني أمي التي كانت بجانبي ويدها ترتعش خوفًا والدموع تملأ عينها بأني قد سقطت من الطابق الأعلى لمنزلنا وتم نقلي إلى المشفى.. فقط هذا ما قالته وذهبت تخبر الطبيب أني استيقظت...

كلما تقدمت دقيقة تلو الأخرى أحس بألم في الساق يشتد، حتى صرخت بأعلى صوتي.. جاء الطبيب يسير ببطئ ويمسك كوبًا من الشاي.. نظر إلي وقال: لم تصرخ هكذا.. فهذا أمر طبيعي لأنها بدأت تستفيق من مخدر العملية، وسيذهب الألم بمرور الوقت وأخذ الأدوية.. كل هذا وأنا لا أفهم شيئًا..عن أي شيء يتحدث وأي مخدر وعملية!!
طلبت منه التوضيح.. تأفف وقال بنبرة صوت باردةٍ وهو لا يبالي لأمري..تم بتر ساقك إثر سقوطك لوجود كسور بها، ومن نتائج الأشعة قمنا بالعملية.. وذهب.. حاولت استيعاب الأمر لكني شعرت بمرارة شديدة، وأمي لا أرى سوى دموعها.. عاجزة عن الكلام!...

مر أسبوع والأدوية لا تفيد.. فتم نقلي لمشفى آخر أُجريت لي الفحوصات.. وكانت الصدمة حين أخبرني الطبيب بأن الساق التي بترت لم تكن بحاجه للبتر، وكان يكفي التجبير والأدوية لمدة، وإن طالت فهي خير من البتر!..

مر عام وأنا أحاول استيعاب ما وصلت إليه لكن الأذى كان ثقيلًا حتى فكرت في الانتحار؛ فليس لي مكان على الأرض بعد الآن، لا أريد أن أمثل عبء على من حولي، وأنا لا أستطيع التحرك فما الفائدة من العيش.. وبدأ حالي بالتدهور يومًا بعد يوم، حتى شاهدت بالصدفة برنامجًا في التلفاز عن ذوي الإعاقة، ومعاناتهم وقصص نجاحهم وعدم استسلامهم، وسرعان ما تأثرت بما شاهدت وسألت نفسي لم لا أكون مثل هولاء الشجعان وأحاول.. فذهبت لطبيب نفسي، أول الأمر لكي أقص عليه من البداية ما أنا فيه من تدهور وعدم استيعاب للأمر.. بعدها بدأت أفكر فيما سأفعل، كنت أحب الكتابة وأدون ما يروق لي من حين لآخر وأجيد الرسم..

 أصدرت أول مجموعه قصصية لي ولم تلقي نجاحًا كما توقعت، يبدو أن الناس لم تعد تقرأ، أو أن أسلوبي لم ينل إعجابهم، أو أني مبتدئ وهم يثقون بالمشاهير من الكتاب فقط.. حاولت وحاولت حتى أصدرت رواية عن حالة تشبهني، ربما كانت عني مع مزيد من الأحداث، ولاقت قبولًا جيدًا، ربما لأن قصص مثل هذه تنال تعاطفًا من قبل الجمهور أكثر.. لكن ما أزعجني هو التعاطف الذي ألاقيه كل يوم حين يراني أحدهم، فلا أستطيع تحمل رؤيه نظرات تقتلني شفقة لأني عاجز وينقصني شئ.. تمنيت يومًا أن أنام ولا أستيقظ ثانية.. أنام إلى الأبد بسبب كل شيء يحدث معي خاصة صعوبة الحركة.. والآن أشعر بقرب نهايتي، وهذا يسعدني جدًا بعد تلك المعاناة!

إيداع الكاتبة\ أنهار علي

خاطرة - الحُب المًنتظر


هناك لحظات جميلة عابرة
حتى وإن كانت قصيرة..
تأتي دون ترتيب مسبق
خالية من الانتظار تبقى ولا تُنسى أبدًا، تُسمى "صدفة"..
يُحكى أنه كان لفتاة ما أحلام تنتظر حدوثها.. ولكن في كل خطاها كانت تقابل سقوط الحاء ويٌترك لها الباقي من الكلمة وهى " آلام"
حين يأتى دور الأفعال تتفاجأ ببدء الانسحابات من حولها
عاشت ورأت أشياء مرعبة من صنع البشر.. تتخطى قدرتها على الاستيعاب..
كانت دائمًا تصمت حين يحتاج الوضع لبث الكلام
أخذت تصمت وتصمت وتصمت .. حتى خرست أبجديتها!
وفي يوم ما!
نظر إليها أحدهم.. كما لو كانت أفضل من في العالم..
شعرت وكأنها بقيت زمنًا طويلًا.. تنتظر طلته من خلال النافذة، تتحرى قدومه وأعطتها النوافذ مفتاحها فبدأت بالاستنشاق..
تمنت أنه لم يكن كالفرح يمر عابرًا ويختفي
أرادته كالحزن ماكث معها للأبد
علمت أنه الحب..!
فالحب لا يأتى إلا وانت فارغ تمامًا من التفكير به.. ثم يسكن قلبك.. فيزاحمك.. فيحولك إلى كتلة مشاعر قابلة للعيش أو الموت لأى سبب كان !!
معه كانت لصباها نضارة تضج فوق أعمارها قرونًا..
كلما نقص زاد الحياة وهو معها لم تشك.. فكيف ذلك وهو زاد الحياة كلها؟!
كانت وردة لا بأس بها.. ولأول مرة شردت تفكر كيف تزيد الورد حسنًا ؟!
وكان القلب يهتف: "بأن يُهدى إليه"..
كأن الورد قبل لقاءه كان كالغصن وأبى الإزهار إلا في يديه!..
كثيرًا ما صدته، فى حين يتواجد بدمها أشواق له تفوق لهيب الجمر..
تُخفي هواه وخافقها يتلهف إن قالت يومًا: "لا أحبك"
فترعاها في غاية الحب التي لا توصف!!
منذ رؤيته بدت تتهاتف النسمات من حولها قائلة: "لا تموتي على شرفات الكآبة.. فكل لون على شفتيك احتفال"!
وكأنه أتى بمبادرة صلح مع زمانها..
كانت ذابلة الورد من قسوة الساقي.. والآن ترعرع غصنها على ارتواء العشق..
ورودها كانوا ظامئات لقياه، وإن ظامئى الحب ليس لهم من ارتواء
 تعلمت أن الحب بحد ذاته وصل، وأجمل الوصل بعد عناء..
نظرت إليه .. وما بال العيون إذا تحدثت بلغاتها ، قالت مقالًا لم يُقله خطيب!!
هو فاتن قلبها لدرجة أن العطر الذي ذاق دفء قربه بكى على الأيام التي قضاها داخل الزجاجة!
قالت له: أنت أعمى وانا صماء وبكماء.. إذن ضع يدك بيدي فيدرك أحدنا الآخر ..
الناس أصناف.. صنف عابر وصنف مسافر.. وهو في قلبها مثل وطن باق لا يغادر ..
أيقنت أنه ما بين الحين والآخر تحتاج لتكون مثل فصل الخريف.. تدع كل ما يؤلمها يتساقط من داخلها لتفسح المجال لربيع قادم.. فكأن مياة أمطرت على صحراء قلبها فأصبحت الأرض البور منبتة من الزهر محلاه


إبداع الكاتبة \ هاجر أحمد إبراهيم

الأحد، 13 أغسطس 2017

قصة قصيرة - أنت جميل!






"أنت جميل يا هذا، وأنا أحبك"
 أوقفني صوت فتاة في العشرين من عمرها، ترتدي فستان أزرق اللون رقيق، وشعرها يتطاير مع الهواء بخفة، أما عن عينيها فهي من جعلتني أتسمر مكاني..

أخذت أبتسم حتى ظن من حولي أنني أُصبت بالجنون، وحين استعدت وعيي من غيبوبة النشوة، فتحت عيني فلم أجدها، لقد اختفت!

تسائلت من تلك الجميلة يا ترى؟! لكني وجدت عقلي يسأل: من تلك الكاذبة؟!
نعم، هكذا أخذ عقلي يردد السؤال دون رحمة، وبمنتهى الوجع، لذا أحسست أنه أهان كبريائي كثيرًا ووقفت مكتوف الأيدي لا أعرف كيف أجيبه!
أتسائل هل يراني عقلي بهذا القبح حقًا؟! هل أنا سيء المظهر لدرجة أني لا أستحق أن يدعوني أحد بالجميل؟ لم يعطني عقلي أية أجوبة وتركني هكذا أقلب الكف على الكف، عزمت الأمر على أن أجد تلك الفتاة الفاتنة وأجعلها تعيد الجملة عدة مرات ليتأكد عقلي أن هناك من يراني جميلًا ..

دخلتُ معه في تحدي..
وأخذتُ أبحث عن تلك الفتاة..
لأيام متتالية دون تعب أو ملل..
 وكلما بادرني أحدهم بذكر عيب في وجهي أو جسدي أو في كلي بصفة عامة..
 لا أكترث..
كل ما أفعله هو أن أتذكر جملة تلك الفتاة فأبتسم لهم
  بت أستعجب من حالي كثيرًا؛ فأنا في أول الأمر شخص فقير الحال جدا، لا أملك من الجمال أي شيء حتى بوادره، جسد غير متناسق وبشرة داكنة تشبه الظلام!
كلما كان يذكرني أحدهم بأحد عيوبي التي أحاول بالكاد أن أتنساها
 أنزعج!
أدخن سيجارة تلو سيجارة ومن ثم يأتي العِرق الرُجولي داخلي، فيصرخ قائلًا: منذ متى ويُعاب الرجل على قلة جماله؟ هو يُعاب على قلة ماله ليس أكثر!
فأضحك عليه كثيرًا: لأني فقير جدًا جدًا في الحالتين.
توقفت عن التدخين فجأة بعد آخر لحظة جمعتني بتلك الفتاة
 وبت أسمع كل إهانة كأنها إحدى المقطوعات الموسيقية الساحرة ..
ورغم هذا السلام الداخلي الذي أشعر به، وددت حقًا أن أعرف من هي، وليس وحدي بل عقلي أيضًا أراد ذلك وبشدة!
وفجأة قاطع عقلي شرودي قائلًا: انتهت المدة فأين هي؟
أخذت أتصبب عرقًا، وأحاول جاهدًا أن أُلملم تأتأة حروفي لأُكون جملة مقنعة له، ولكني عجزت!
وما هي إلا ثوانٍ وأتت، تلك التي في عينيها شيءٌ ما جعلني أتعلق بالحياة وأحبها، وبصوت أشبه بصوت الملائكة أجابت عني، وبموقف أكثر شهامةً ورجولةً مني ساندتني!
وقفت أمام عقلي بقوة عجيبة ورأيتها تضع يدها حول خصرها وترفع أحد حاجبيها قائلة:
-أنا هُنا.. ما الذي تريده منه أيها السخيف؟
 -من تلك المعتوهة يا تري ؟
هكذا كان رد عقلي عليها، وفجأة تغيرت وقفتها الأنثوية المائلة ودبت بقدميها على الأرض، وكأنها على استعداد تام للحرب ثم قالت له:
-بأي حقٍ تلقي سهم البشاعة عليه؟  بالله عليك ألا تُدرك كم أنه جميل جدًا؟! لِمَ تجبره على الاختباء؟ ما العار الذي فعله ليتوارى عن الخلق منه؟
لم تنتظر منه إجابة، والتفتت إلي وأخذت تمسك بقميصي وكأنها تهددني إن أنا لم أسمع كلامها فلن يحدث خيرًا، وخاطبتني قائلة:

ابتسم عاليًا.. حتى وإن كنت تملك من الأسنان أسوأها
 وارتد ماشئت.. وإياك أن تحجم حرية جسدك  بثياب خانقة له
 وتغنى بسمار بشرتك.. فلم نسمع غزلًا أكثر جمالًا من التغزل بالسمر
فالقصة هنا لها راوٍ واحد
وبطلٌ واحد
ومهمةٌ واحدة
والجميل في الأمر أنك الراوي والبطل والمهمة!

  -من أنتِ؟
-أنا اللحظات التي ساندت صديقًا فيها، والأحضان التي احتوت وجع أحدٍ كان قريب منك، فداوته..
أنا ابتسامتك لقهر الليالي وظلمها..
 أنا الأموال التي كانت بالكاد تكفيك.. ورغم ذلك تصدقت بها لصغير أخذ يبكي في الشارع لأنه  جائع، فأسعدته.. فدعى بالخير لك..
 أنا رضاك على مفارقة أحبائك.. وتغنيك ليلًا بالدعاء والتناجي مع الله..
 أنا جمالك الحقيقي ذو العمر الخالد .

إبداع الكاتبة\ ياسمين محمد

الخميس، 10 أغسطس 2017

مقال - هل الحسد يغير الواقع

                                                           


 الدين غاص ومليء بأمور كثيرة، منها ما يصل إلى حد اليقين والعقيدة التي يكفر المسلم بإنكارها، ومنها ما هو عادي، ولدى كل شخص إيمان خاص به عنه واعتقاد، سواء كان هذا الاعتقاد مبني على تجربته الشخصية أم على عاداته وتقاليده، ومن هذه الأمور موضوع الحسد ..
ودائمًا ما ترتبط هذه الكلمة بمشاعر الكره والنفور والخفاء عن الناس، حتى أصبحت العقيدة الراسخة المنتشرة -خصوصًا في المجتمعات التي تقل بها الثقافة العقلية السليمة- :أن صاحب الموهبة وصاحب الفضل في شيء عليه أن يختفي عن أعين الناس، وأن يخافهم حتى لا يقع في دائرة حسدهم؛ فتزول عنه هذه النعمة وهذا الفضل، وكأن الحسد بات يتحكم في مقاليد الأمور، وكأنه يستطيع أن يغير العالم،  وحاش لله من قولنا هذا.

الحسد في أبسط تعاريفه هو تمني زوال النعمة عن الغير، فهو مرض وحقد شديد في قلب الحاسد تجاه المحسود، فهل يستطيع هذا الحاسد أن يدمر المحسود فقط بهذه المشاعر السيئة في القلب؟، وما هي دلالة القرآن عن ذكر الحسد؟!...
في البداية نريد أن نوضح شيئًا مهمًا، وهو أن تحديد السبب والمسبب أمر معقد جدًا، لا نستطيع أن نحدده بسهولة، فلا نستطيع أن نقول أن هذا الإنسان مات بسبب أنه كان مريضًا، فلو كان ذلك صحيحًا، فكم من مريض مرِض بشدة حتى ظننا أنه قد حانت نهايته، ثم قام من على سرير الموت وعاش سنينًا وسنينًا، وكم من صحيح ظننا أنه معمر، ثم مات من غير علة ولا مرض، فالأصح أن الأسباب التي نختلقها حول هذه الأمور ما هي إلا أوهام نوهم بها أنفسنا حتى نعزيها عما فقدناه، ناسين أن هذا المريض قد مات لأن عمره في هذه الحياة قد انتهي، وإن السبب الحقيقي لموته ليس المرض، وإنما هو قضاء الله بانتهاء أجله، فالحقيقة أن هذا المريض لم يمت لأن قلبه توقف عن النبض، بل إن قلبه توقف عن النبض بسبب أنه مات ...

ومن هذه النقطة ننطلق إلي الحسد، فهل يٌعقل أن الحسد يستطيع أن يغير من مجريات الأمور حقًا، وهل منحنا الله الفضائل والنعم والمواهب حتى نخفيها عن الناس خوفًا من الحسد، وكيف نفسر آيات القرآن التي تتحدث عن الحسد .
يجب أن نكون متفقين على أن الإيمان درجات، فهناك شخص قوي الإيمان، راسخ في التوكل على الله، وهناك شخص ضعيف الإيمان، ما زال يتشبث بأوهام الأسباب، والله سبحانه وتعالى يعلم ذلك جيدًا، ويخاطب كلتا الفئتين بما يتناسب مع إدراكهما .
قال الله تعالى في سورة البقرة "وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم" فهل استطاع أهل الكتاب أن يردوا المسلمين عن دينهم بهذا الحسد!!
وقال تعالى في سورة النساء " أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا" فهل استطاع هؤلاء رغم حسدهم أن يزيلوا النعمة التي أعطاها الله لإبراهيم

نأتي إلى الآيات المشهورة والتي تسبب مشكلة عند الناس، وهي آيات سورتي المعوذتين التي تبرهن على شر الحاسد، وأنهما منجيتان من هذا الشر، فكيف نتعامل معهما بصورة عقلية دينية مثقفة وهذه الصورة حقيقةَ شخصية حول تفسير الحسد، صواب بالنسبة لي، ولكنها ليست بالضرورة صوابًا بالنسبة للقارئ، ولكن علينا أن نفتح عقولنا لنكتشف الحقائق سويًا حتى لا يقال أن ديننا يدعو إلى الخرافات..
أولًا: الحسد هو مرض قلبي في نفس الحاسد، يدعوه إلى الكره والحقد، وعندما يعلم المحسود أن هذا الشخص يحسده سيكرهه بالطبيعة، وستتقطع بينهما العلاقات الأخوية، والعلاقة بين المسلمين قائمة على الأخوة والحب، ولذلك حذرنا الله وحذرنا رسوله من الحسد، لا لأن الحسد يغير شيئًا، ولكن لأن الحسد يقطع العلاقات بين الأخوة.
ثانيًا: أن الله تعالى يخاطب كما قلنا جميع المستويات من الإيمان، فخاطب صاحب الإيمان الكبير في سورة الحديد قائلًا: "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" وذكر في الآية التي تليها مباشره سبب ذلك "لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ" فكل شيء مقدر عنده تعالى، وما يحدث من مصائب تصادف حسد حاسد فما هي إلا مصادفات يرتبها ويغذيها في عقولنا الشيطان، حتى ننسى أن المسبب هو الله، ونعتقد أن المسبب هو الحسد..
هذا الخطاب هنا حينما يسمعه الشخص ذو الإيمان الكبير والهمة العالية، سيسير في الأرض ضاربًا بحسد الحاسدين عرض الحائط، لأنه مطمئن أن كل شيء من الله، ولكن هناك فئة ضعيفة الإيمان قليلًا، ستقول نعم لقد طمئننا الله بأن الحسد لا يغير شيئًا، ولكننا ما زلنا متشككين، لأنهم محكمون بتقاليدهم وأعرافهم، والحسد معروف وموجود قبل أن يأتي الإسلام، وهنا أراد الله أن يطمئن هؤلاء أيضًا، وكأنه يقول لهم إذا كنتم تعتقدون بأن الحسد يغير شيئًا من قضائي وتخافون من الحسد،  فاقرأوا المعوذتين وحينها لن يصيبكم الحسد ...فالموضوع هنا للطمأنينة النفسية فقط، وليس لأن الحسد يغير الواقع،  وهذا شيء مثبت حتى عند علماء التنمية البشرية، بأن الشخص إذا كان يفكر في الأمر الإيجابي ويوهم نفسه بالإيجابية، سيجد الأمور إيجابية، وإذا فكر بسلبية سيجد الأمور سلبية، إلا إذا طمأن نفسه بشيء ما كقراءة المعوذتين..
وهذا الفهم لآيات المعوذتين قد استنبطته بالقياس على آيات سورة الذاريات، فبعد أن ذكر الله صفات المؤمنين قال: "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ" هنا الشخص الكبير الإيمان، العالي الهمة، سيضرب في الارض طولًا وعرضًا، مؤمنًا بأن الرزق من عند الله، ولن يذل نفسه لأحد، ولن ينافق، أو يداهن، أما الشخص الضعيف الإيمان سيبدأ بالتذمر قائلًا: "نعم أعلم أن الرزق من عند الله ولكني أرى أن الواقع يفرض علينا أن نداهن وننافق و..و.و.و..و حتى نحصل على الرزق من عند الغير"، وحتى يُطمئن الله هؤلاء الضعفاء أقسم بعدها مباشرة قائلًا: " فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ" فالله ليس بحاجة للقسم، ولكنه يعلم أن هناك ضعاف الإيمان، الذين لن يستريحوا حتى يطمئنوا بالقسم، ومن عادة الناس في كل زمان أن يوهموا أنفسهم بتصديق الذي يحلف، حتى ولو كان يعلم منه الكذب قبل ذلك، ففي لغتنا الدارجة يقول العامي (احلف )ولذلك خاطبهم الله بما يفهمون .

ولو أن الحسد سيغير الواقع لكان هناك في كل جيش فرقة خاصة بالحساد، ولاستطعنا أن نهزم الدول من دون أسلحة أو دمار، فقط بالحسد، ولكانت موهبة يتسارع الناس إلى تعلمها..
قال الله تعالى في شأن السحرة أنفسهم: "وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ" فكيف بكلمات تخرج من الفم لا تحمل سلاحًا ولا سيفًا.
فالحسد لا يغير الواقع، والحسد لا يتدخل في قضاء الله، وإنما هو مجرد مرض وضعف في الأمة، ولذلك حذرنا الرسول منه، ولعل أبلغ الحكم التي قيلت فيه: "الأنانية تولد الحسد، والحسد يولد البغضاء، والبغضاء تولد الاختلاف، والاختلاف يولد الفرقة ، والفرقة تولد الضعف، والضعف يولد الذل، و الذل يولد زوال الدولة وزوال النعمة وهلاك الأمة"
فهيا بنا نعمل ونظهر مواهبنا التي حبانا الله إياها وكفانا جهلًا يا سادة

إبداع\ أحمد الشنطوري




الثلاثاء، 8 أغسطس 2017

خاطرة - أحبك

صورة ذات صلة
                                                         

 أحببتك ولكن .... أحبك ...

 أحبك ليست كلمة عابرة أقولها وأمارس طقوسي اليومية غير مبالية بما فعلت.
 أحبك وفشلت في إخبارك ومازلت أستمر في فشلي!
 منذ مدة كانوا يتحدثون عن استحالة الحب؛ يحدث أن ترفض شيئًا تمامًا، وفجأة وبدون أي مقدمات أو حديث نرى أنه يستحيل العيش بدونه، عندها ندرك أن حياتنا كانت بلا هدف ولا دافع وأن سعينا عادي لأجل أحلامٍ عادية، وأن بعد حبك صارت الأيام مختلفة، المواقف، والظروف، والتحديات نعشقها لأن هناك حبًا نبت في الفؤاد يرتوي بحديثك، كلماتك، مواقفك.

 وأكررها مرة أخرى فشلت في إخبارك ومازلت مستمرة في فشلي، أخشى أن تتركني في منتصف الطريق!!
بعدك كل شيء صار مختلفًا تمامًا؛ أخشى الفقد وافتقاد نفسي في فقدك، لست أقوى على ذلك التحدي الصعب حتى في مجرد تخيله. لو كان بإمكانى أن أخبئك بين أحضاني، فلا أتركك حتى تمارس نشاطاتك اليومية لفعلتها....!  

قل لي بربك ماذا عساني أفعل؟ هل أخُبرك فأتعرض لمرارة الفقد؟ أم أسير على الطريق أتألم تارة، وأفرح تارة، وأنا لا أدري ماذا أعني لك؟... وأنت تعني لي كل الحياة. كل ما أعلم أني لا أترك لحظة بدون أن أدعو لك فيها بكل الخير، بما لم تتخيله يومًا، وأدعو أن يرزقني الله بك، فلا أجد لي حيلة أو سبيل غير الدعاء!

حُبك علمني يا فتى كيف أحب نفسي، وأحب الظروف التي جمعتنا يومًا، أحبك دون انتظار مقابل بغير إراده مني. أتدري أنا لا أريد سوى أن أراك سعيدًا! هذه أقصى امنياتي. دعك عن كل ذلك الكلام الذي أكتبه، تيقن أنني فتاة يمتلكها الخوف، ومهما مرت الأيام لن تدري عن كل تلك المشاعر شيئًا، أردت فقط أن أكتب ما بداخلي حتى وإن كان بدون مرسل إليه.
 أيحدث يومًا وتحبني مثلما أحببتك.........!

إبداع\ سهيلة سيد


الأحد، 6 أغسطس 2017

خاطرة - مرايا الروح

    





قرأت ذات مرة جملة في كتاب تقول: "إن المرايا تخبرنا دائمًا بما نحتاجه .... ". المرآة الزجاجية، تلك الأداة البسيطة، التي لا يكاد بيت يخلو منها، تخبرني دائمًا بما أحتاجه!

حسنًا، فأنا أستيقظ في الصباح، أنظر في المرآة؛ فتخبرني بحاجتي لتنظيف وجهي بالماء لإزالة آثار النوم وتكمل بضرورة تفريش أسناني بالفرشاة والمعجون.
أعتقد أنها قد أخبرتك أكثر من مرة بما تحتاجه؛ ألم تكن من قبل على موعد مهم، حفل زفاف، جنازة، مقابلة عمل أو حتى ذهبت لتستقبل أحدهم في المطار؟، أنت تنظر في المرآة لتتأكد من أن شعرك مصفف جيدًا، أو إذا كنت بحاجة لضبط بنطالك أو قميصك قبل الخروج ومقابلة الناس.

أتذكر أني في إحدى المرات، كنت على موعد مهم، فوقفت أمام المرآة لتصفيف شعري، وللحظة توقفت وانبثق سؤال غريب. لمَ لا أستطيع النظر إلى ما هو أعمق من شكلي الخارجي في المرآة، لمَ ليس هناك مرايا للروح، أنظر خلالها إلى روحي، فتخبرني بما تحتاجه روحي الْيَومَ، أليس علينا العناية بأرواحنا!، ألن تكون العناية بها أسهل لو عرفت ماذا تحتاج؟َ!

تخيل أن معك مرآة لروحك، تستيقظ صباحًا فتنظر فيها وتسأل، ماذا تحتاج روحي الْيَومَ؟، فترد مثلًا بأن روحك تحتاج إلى الهدوء اليوم، لا تخرج من البيت، اغلق هاتفك النقال، جهز فيلمًا هادئًا وكذلك الكثير من الفشار والمقرمشات والصودا، أو اختر روايةً أو كتاباً واستمتع بوقتك، لا تقابل أحدًا من أولئك المجانين المتجولين في الخارج.
في يوم آخر، تخبرك بأنك بحاجة إلى الحب، ارتدِ شيئًا جيدًا، ضع عطرك، اجلس مع جدتك اللطيفة، تحدث معها، واشكو لها ما بك، أو تَمْش مع صديق مقرب لك، واضحك معه كثيرًا، هاتف حبيبتك وأخبرها بأنها جميلة وأنك محظوظ بها. أعتقد بتعدد الوسائل في كل الأحوال.

لكن هل تعتقد -فرضًا- بأنك وإن امتلكت مرآة روحية، سحرية وأخبرتك بما تحتاج، أن بمقدورك تحقيق ذلك؟
أحيانا تقيدنا الكثير من الأمور، فإن كنت بحاجة إلى الهدوء مثلًا، فقد لا تحصل عَلَيْه لأنك مشغول بالإعداد والمذاكرة للامتحانات، وإن كنت بحاجة للحب، فربما غياب جدتك أو مرض والدتك يحول دون حدوث ذلك.

أعتقد أن لأرواحنا طريقتها في التواصل معنا، هي لا تخبرنا بما تحتاجه ولكن هي تحركنا تجاهه مباشرة، وربما لست بحاجة لمرآة روح -إن غابت القيود-، لأنك ستجد نفسك -تلقائيا- تحادث صديقك المقرب عند حاجتك للفضفضة، أو ستجلس وحيدًا لرغبتك في الهدوء. البعض يتجه للقلم والورقة، يكتب ما تبوح به روحه، قد يحتفظ به، وقد لا يحتفظ، ولكن ما يهم أن الروح باحت بما بها.

إبداع\ محمد حمدان


الأربعاء، 2 أغسطس 2017

خاطرة - لحظات



أنا في طريقي للبيت، بداخل سيارة نافذتها مفتوحة بالكامل، الهواء عليل أشعر به يلاطفني، يلامس وجنتيّ بنسمات باردة، وفي ملامسته يطهر قلبي من الجروح، يكسر خطوط الدم المتصلبة عليه ويعود النبض له رويدًا رويدًا (لحظة رجاء)
 تلوح لي الشمس من بعيد مبتسمة، انتظريني غدا سوف أبحث عنك، سأجدك حتمًا سأجدك، تختفي بين الجبال وكأنها تأبى الذهاب، تركتني وغابت ولكنها تركت نورها الذهبي الساطع في فؤادي.
 تمضي السياره في طريقها، وبنظرتي الثابتة للأسفلت بأحجاره البارزة، تتبدد الأحزان والعقبات ومتاهات التفكير بسرعة، يختفي جزء ليظهر جزء آخر، بجانبي طفل يبتسم تداعبه والدته فتعلو ضحكاته، ما أطيبه وجه وما أبهاها من صورة. (لحظة أمل)
 النخيل ،الشجر،العنب بأوراقه ،بركة الماء والأعشاب التي تطفو على أطرافها وتحيطها من كل جانب، الناس، السماء، بات كل ذلك ف عيني جميلًا وبدا لي أني أراه للمرة الأولى، وكما صارت أمي سبب وجودي في الدنيا شهدت تلك اللحظات ميلادي للمرة الثانية وأضحت سببًا أيضا، أصبحت على يقين بأن هذه اللقطات من الكون وُضعوا في هذه الأماكن وفي ذلك الوقت ﻷجلي(لحظة تأمل ويقين)
 راودتني طفولتي، شجرة سدر أتردد عليها في الشتاء ودائمًا ثمرها أخضر في هذا الوقت، ولم أكن أسمح لنفسي أن أقطف منها خوفًا من صاحبها، وبجوارها بقايا حائط من الطوب اللبن أستند عليه، أتأمل صاحب الشجرة وهو يقطف لي الجرجير والنعناع والكرات، أسير في الطرقات بسلة من الخضرة، بزهو وفرح كأني أمتلك مفتاح الحياة بداخلها.
 وأاه على التلة التي أصعدها أنا وأصدقائي نراقب الرائح والغادي ومعالم قريتنا بالكامل، نتسامر ونعيد أحداث اليوم بصياغ مضحك ومسل بتأمل تفاصيلها، تنتهي بأصوات ضحكاتنا العالية الممتلئة بالسعادة والصفاء والهناء.
 أمر بجانب المسجد أنظر إليه وأنا خائفة أترقب أن ينادي الشيخ باسمي فلم أحفظ ما قرأه علي في الحصة السابقة، وأرى كذلك النشوة في أعين صديقتي لإتمامها حفظ ما عليها (لحظة خوف)
 يجترني الحنين لبناء قديم، مدرستي الابتدائية، العلم يرفرف ينادي باسمي تعالي فقد اشتقنا لوجهك المليء بالنور، لكن ليس بقدر لوعتي له، خفق القلب في أول خطوة خطوتها على باب المدرسة، شجره الكافور العتيقة أزدادت طولًا وشموخًا، تذهب أوراق فروعها يمينًا وشمالًا كأنها تحتضنني وياله من حضن روى الشوق ﻷيام البراءة، بجانبها شجرة يُقال أن من أوراقها تصنع الحناء. هاهو الحائط الذي سجلنا اسمائنا عليه، والمقعد الإسمنتي، هنا أخبرتني معلمتي أني قد اجتزت امتحان اللغة الإنجليزية بتفوق (لحظة فرح)
 وهنا أيضًا سمعت كلمات أغضبتني أن الزي المدرسي الخاص بي مهترئ وأن شكلي غير ﻻئق (لحظة غضب)
 رفعت رأسي للأعلى قليلًا، أول فصل دراسي دخلته، ها هي أمي تتركني وتذهب، سلمتني للمعلم، أراها تبتعد خرجت من باب المدرسة لم تلتفت وراءها أبدًا، أمسك بيدي معلمي وأشار إلي بالجلوس على مقعد وبدأت رحلتي من هنا (لحظة عدم الشعور باﻷمان)
 في دفتري وبقلمي دونت كل ما مررت به وماعشته في كل لحظة بأدق التفاصيل وتأملتها جيدًا، فكرت كثيرًا لم وقت الفرح ليس صافيًا به شوائب من الألم، وعندما يصيبنا الحزن نتهرب لا نسمح ﻷنفسنا بالحزن، وعندما نعبر عن غضبنا نهرع إلى الكتب واﻷطباء النفسيين لنكبت جماح الغضب. وقس بذلك على مشاعرنا جميعها نهرب منها أو نستفيض فيها!!

افرح بالقدر الذي تطير فيه للسماء، واحزن بالقدر الذي تحتاجه، أجل نحتاج الحزن، ذلك الشعور الدافئ يجعلك تقف قليلًا وتنظر بداخلك، وتفكر كثيرًا في أمورك، ثم تخرج وتعود أكثر حكمة لتبدأ مرة أخرى. عش كل شعور لنهايته لا تختزل نفسك في واحد أو اثنين، والجميل في الأمر أن الأمل عامل مشترك بينهم جميعًا؛ يشارك ويصادق ما تجود به قلوبنا في الحزن والفرح ويعلمنا الصبر والعمل. منحت نفسي حق الفرح. منحت نفسي حق الحزن. منحت نفسي حق الحياة. بقلب صافي وعقل أكثر حكمة بأن أتقبل مشاعري، ولا أترك أو أنكر أي جزء منها أتقبلها كما هي وأعيش كل إحساس بقوة وثبات.

إعداد\ صفية محمد


الثلاثاء، 1 أغسطس 2017

قصة قصيرة - عيون الياسمين

   



  اعتدت اختلاس نظرة إليها في الغدوة والروحة، أحيانا كنت أظن أنها من تجتذبني للنظر إليها، لا أعرف ولكنني أدمنت عينيها، لا، ربما ليست لديها عيون أو لديها عيون خضراء.
تجتذبني فأنظر إليها من كل مكان، من أمامها ومن خلفها وعن يمينها وعن يسارها، أحيانا لا أنظر إلى عيونها فقط وإنما أنظر إلى محاسنها الأخرى أيضًا، التي تجعل منها محل نظر تتميز بها عن غيرها.
استرقت يومًا نظرة إليها بطرف عيني ووجدتها ترمقني كما أرمقها، سرقتني من نفسي وغرقت في تأملها وقد هممت أن أدنو منها وأحتضنها وأتنشقها غير مبالٍ، نسيت عالمي وكأني في جنة ما، لكني استعدت وعيي في اللحظة الأخيرة وتذكرت الناس حولي وهم يجوبون الطرقات.
يا لها من لحظات عشتها في عالم غير عالَمي، جميل هو عالمك يا شجرة الحسن والجمال، كم تمنيت لو أسكن بجوارها لكي تتأملها عيناي في أي وقت شاءت وتعتني بها وتسقيها وتستقي منها.
في يوم آخر ليس ببعيد عندما مررت بها وأنا اكاد أموت شوقًا لرؤياها حيث فرق بيننا القدر أمدًا حسبته دهرًا طويلًا، حين وقعت عيني في شباك عيونها الخضراء واصطادتني محاسنها وأغواني سحرها الباهر.
 اقتربت منها اليوم عازمًا غير عابئٍ ووقفت أمامها مباشرة أكاد أحتضنها وأخذت بشغف أتنشق أزهارها، وتذوب عيني في عيونها الخضراء، حين شعرت بوخز في ساقي، ولم أبالِ،تابعت رشف عبيرها حين شعرت بوخزات في يدي وصدري وساقي ولم أبالِ، لقد خرجت من إطار عاداتنا وفعلت مالم يكن تقليديا، وخاطرت ولم أبال .
ولكن ما حدث في هذه اللحظة حيث فاجأني شيء ما كان يزغزغني قرب أذني ووخزني وخزة توالت بعدها وخزات أخرى شديدة الألم في أماكن أخرى من جسدي، اضطربت وتراجعت قدماي ووقعت أرضًا.
ذهلت أكثر حين وجدت النمل الضخم يملأ جسدي وساقي و يتسلق إلى عنقي، فزعت من هول المفاجأة وأخذت أنزع النمل عني، من هنا وهناك، وهو يوخزني و أتأوه من الألم.
بعد دقائق عند انتهائي واستيقاظي من غفلتي وإفاقتي من السحر الذي استحوذ عليً، اقتربت منها وعيني تجوبها حاذرة وساقي تسير بعد ان تأخذ الأمان من عيني.
وجدت على ساقها من أسفلها حشود من النمل الضخم، يجري بحركة عشوائية في كل جهة، وارتفعت بعيني فوجدت بعض شباك العناكب تغطي بعض زوايا في أطراف أغصانها.
أتذكر أنني قمت بالبصق عليها وتراجعت فورًا وفي وجهي حممٌ تغلي وأخذت ألعنها وأسبها وعدت أدراجي.
ظللت لأيام أعبر طريقا آخر غير الذي تقف فيه تترصدني، أصبحت كابوسًا بالنسبة إليً لا يفارقني، و أفزع حين أتذكر ما حدث يومها.
إنها شيطانة بوجه جميل يأسرني ويقودني نحو هلاكي ومنيتي، يا لوقاحتها وقبحها، لقد أحببتها وعشقتها، كيف تفعل بي هذا !!
وددت لو أحرقها وأنتقم منها أو أن أنتزعها من جذورها وأقطعها قطعًا متناثرة.

أحاول أن أجد سببًا كان يجعلني متعلقًا بها طوال هذه المدة.
أفكر كم كنت أحبها و أذم غبائي هذا، أيحب أحد شيئًا كهذا، شيئًا مليئًا بالحشرات والنمل والعناكب ولو حفرت أسفلها لوجدت حشودًا من الدود القذر .
بعد ما يعادل أسبوعًا على ما حدث، اتخذت قراري على حرقها، و جلبت عدتي لذلك .
أخذت عدًتي وأنا ذاهب متأهب لعملية الإبادة والانتقام من تلك الشجرة.
مررت بشارعها وأنا آخذ بحذري ألا أقع في سحرها مرة أخرى.
اقتربت منها خافضًا بصري الى الأرض، وفتحت حقيبتي وأخرجت منها زجاجة الكحول الرش، وشرعت في نثر ما بها وأنا مغمض العينين على الشجرة من أعلاها وحتى أسفلها وأنا أتذكر ما حدث في الماضي.
كنت ممسكا بالزجاجة ضاغطا عليها بشده بعد أن اعتراني غضب بعد أن استحضرت ما كان قد حدث منها، قبل أن أسمع صوتا و كأنه طنين نحلة تطير بجوار أذني ثم أغارت على أنفي و لسعتني.
تراجعت خطوات الى الوراء ومن حنقي ومباغتتي وتوجعي قمت بضخ النحلة التي تقف على أنفى بالكحول فهربت، ثم مسحت عيني التي كانت تحرقني إثر ما لامسها من بقايا كحول طفيف بطرف قميصي الذي كنت أرتديه .
مزيد من الألم كان يتسرب من أنفي الى عيني التي قطَرت دمعة رغما عنها ومسحتها مرة أخرى بطرف يدي ثم ببطء لأتأكد من سلامة عيني فتحتها (مر الأمر السابق بسرعة وأنا غير مدرك لما أفعل بعد ان لسعتني النحلة).
إنها زهور الياسمين البيضاء، يصل بعض من عطرها اليً يشرح صدري، وأوراقها الخضراء المتلألئة تحت أشعة الشمس.
يا لرقة أوراقك لقد هدأت أعصابي و سكنت، سحرني جمالها وأنستني ما جئت لأجله وخففت من حدة ألمي.
صوت الطيور وهي تغرد، وهي تطير جماعة مع بعضها ثم تهبط على الشجرة وتتراقص، يضفي ذلك على المشهد بعدًا آخر من البهاء.
 جزعها الممتلئ الذي يصل الى حوالى ثلاثة أمتار مع بعدي عنها أيضا قرابة الثلاث أمتار، تجوب عيني عيونها الخضراء التي يجذبني النظر إليها من كل مكان وتأسرني زهورها البيضاء .
قلت في نفسي كيف جئت عازمًا على إبادتك، أنت ساحرة يا شجرة الحسن والجمال، يا لغبائي ما الذي جاء بي إلى هنا وكنت عازمًا على فعله.
نظرت إلى يدي فوجدتني أمسك بزجاجة الكحول ولمحت عيني نملة ضخمة عندما نظرت لأسفل تجاه يدي، تذكرت ما حدث وكيف شجعت هذه الشجرة النمل على محاربتي والقذارة التي تملأها وشباك العناكب.
حدثني جانب من نفسي: ولكنها لم تفعل شيئًا لي الآن ولم يقترب مني أيٌ من النمل وتتركني أحدق بها كما يحلو لي وأتنعم بجمالها وأتنسم شذاها.
 رددت: ولكنها شيطانة تخدعني بجمالها لتجذبني إليها وتذيقني أشد العذاب، لعلها تستمتع بذلك.
حدثني الجانب الاخر بسرعة: لا إنها ليست كذلك، إنها أجمل مني بكثير وأنقى وأكرم.
إنها لا تسمح لي بالنظر إليها والاستمتاع بجمالها وتنفس عطرها فقط، إنها أيضا تعطي جزعها البني هذا للنمل يتخذه بيتا له وللطيور في أغصانها عششًا وللنحل في أزهارها رحيقًا، إنها تنفع العالم بكل ما استطاعت أن تفعله بكل جزء منها، إن ما حدث في اليوم السابق هو أن خاف النمل على طعامه ونفسه وعشيرته فهاجمني، وربما لم يهاجمني ولكن أراد أن يعرف إن كنت جلبت له طعامًا في ملابسي أم لا.
إن شجرة الياسمين هذه جميلة هكذا من بعيد، هذا البعد مناسب جدًا ليبقيَ على علاقتي بها، لا أؤذيها ولا تؤذيني.
عندما أدركت ذلك أحببتها أكثر من السابق، وعدت إلى داري فرحًا مسرورًا بطيبة قلبها هذه، وأبلغها سلامي وتحياتي كل يوم امر عليها وأصبحت أجد فيها جمالًا ما كان مختلفًا عن الماضي .
 لكنها تبدو ضعيفة بعض الشيء فلا تستطيع أن تمنع عنها هذا النمل من النخر في جزعها ولا الطير من النقر في أوراقها، لربما تساعدهم ولا أعلم، ولكن يمكن لهذا النمل ان يكثر من النخر في أسفل جزعها فيجزها من أسفلها وترقد ميتة لا حياة فيها.
لربما أحببتها أكثر من ذلك النمل والطير ولكنها لم تترك لي نفسها كما تركتها لهم ولم تدفع عني هجوم النمل.
لربما هذا عيب فيها ولكن هذا لا يمنعني من الاستمتاع بكافة محاسنها.
ليس ذنبها أني حاولت احتضانها ولكنها مشكلتي أنا.
إنها خلقت هكذا جميلة في أشياء كثيرة وسيئة في أشياء قليلة جدًا، عسى أن تكون في نظري أنا فقط سيئة وأكون أنا من اصطنعت مشكلة ضخمة إلى هذا الحد ... إلى أن كدت أبيدها.
إنها بالنسبة لي ولعالم البشر هذا ملاك جميل.
لعلني أنا من كنت مذنبًا عندما؛ حاولت الدنو منها أكثر مما ينبغي، وفضولي لمعرفة كل شيء عنها و طمعي في أن أستحوذ عليها وحدي، يمكن أن يكون هذا عيب فيَ أيضا
حسنًا يا شجرتي يا شجرة الحسن والجمال يا شجرة الياسمين سأظل أحبك وأتأمل عيونك الخضراء وأتنسم عطرك الزاكي، من مسافة ليست ببعيدة ولا قريبة، مسافة وسطية بحيث أتطلع إليك فلا أرى غير محاسنك.
تعلمت من هذه التجربة شيئا مهما للغاية، ربما ليست شجرتي وحدها هي من يجب الابتعاد عنها مسافة ما كي أحافظ على علاقتي بها ........ أيضًا البشر كذلك.



إعداد \ عبدالرحمن علي
تصوير\ سمر أسامة