الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

قصة قصيرة - لحظة خاطفة




جدران الحائط ألوانها غير التي أعتدت.. هكذا وجدتني بمكان غير الذي كنت فيه.. حين فتحت عيني ولم أكن أدرك شيئًا بعد، وألم برأسي ودوار وشعرت بثقل جسدي عن الحركة.. أخبرتني أمي التي كانت بجانبي ويدها ترتعش خوفًا والدموع تملأ عينها بأني قد سقطت من الطابق الأعلى لمنزلنا وتم نقلي إلى المشفى.. فقط هذا ما قالته وذهبت تخبر الطبيب أني استيقظت...

كلما تقدمت دقيقة تلو الأخرى أحس بألم في الساق يشتد، حتى صرخت بأعلى صوتي.. جاء الطبيب يسير ببطئ ويمسك كوبًا من الشاي.. نظر إلي وقال: لم تصرخ هكذا.. فهذا أمر طبيعي لأنها بدأت تستفيق من مخدر العملية، وسيذهب الألم بمرور الوقت وأخذ الأدوية.. كل هذا وأنا لا أفهم شيئًا..عن أي شيء يتحدث وأي مخدر وعملية!!
طلبت منه التوضيح.. تأفف وقال بنبرة صوت باردةٍ وهو لا يبالي لأمري..تم بتر ساقك إثر سقوطك لوجود كسور بها، ومن نتائج الأشعة قمنا بالعملية.. وذهب.. حاولت استيعاب الأمر لكني شعرت بمرارة شديدة، وأمي لا أرى سوى دموعها.. عاجزة عن الكلام!...

مر أسبوع والأدوية لا تفيد.. فتم نقلي لمشفى آخر أُجريت لي الفحوصات.. وكانت الصدمة حين أخبرني الطبيب بأن الساق التي بترت لم تكن بحاجه للبتر، وكان يكفي التجبير والأدوية لمدة، وإن طالت فهي خير من البتر!..

مر عام وأنا أحاول استيعاب ما وصلت إليه لكن الأذى كان ثقيلًا حتى فكرت في الانتحار؛ فليس لي مكان على الأرض بعد الآن، لا أريد أن أمثل عبء على من حولي، وأنا لا أستطيع التحرك فما الفائدة من العيش.. وبدأ حالي بالتدهور يومًا بعد يوم، حتى شاهدت بالصدفة برنامجًا في التلفاز عن ذوي الإعاقة، ومعاناتهم وقصص نجاحهم وعدم استسلامهم، وسرعان ما تأثرت بما شاهدت وسألت نفسي لم لا أكون مثل هولاء الشجعان وأحاول.. فذهبت لطبيب نفسي، أول الأمر لكي أقص عليه من البداية ما أنا فيه من تدهور وعدم استيعاب للأمر.. بعدها بدأت أفكر فيما سأفعل، كنت أحب الكتابة وأدون ما يروق لي من حين لآخر وأجيد الرسم..

 أصدرت أول مجموعه قصصية لي ولم تلقي نجاحًا كما توقعت، يبدو أن الناس لم تعد تقرأ، أو أن أسلوبي لم ينل إعجابهم، أو أني مبتدئ وهم يثقون بالمشاهير من الكتاب فقط.. حاولت وحاولت حتى أصدرت رواية عن حالة تشبهني، ربما كانت عني مع مزيد من الأحداث، ولاقت قبولًا جيدًا، ربما لأن قصص مثل هذه تنال تعاطفًا من قبل الجمهور أكثر.. لكن ما أزعجني هو التعاطف الذي ألاقيه كل يوم حين يراني أحدهم، فلا أستطيع تحمل رؤيه نظرات تقتلني شفقة لأني عاجز وينقصني شئ.. تمنيت يومًا أن أنام ولا أستيقظ ثانية.. أنام إلى الأبد بسبب كل شيء يحدث معي خاصة صعوبة الحركة.. والآن أشعر بقرب نهايتي، وهذا يسعدني جدًا بعد تلك المعاناة!

إيداع الكاتبة\ أنهار علي

هناك تعليق واحد: