الاثنين، 8 مايو 2017

قصة قصيرة - تناقضات



في عالم ملئ  بالتناقضات ..التى لا تنتهي
هنا حيث برودة الفجر التى تدفئها تسابيح المصلين، وعلى النقيض تجد السكارى والحشاشين عائدين إلى بيوتهم ..هنا يوجد مسجد للعبادة  وعلى الجانب الآخر أماكن تبيع الخمور ..

هنا طَموح استيقظ للحاق برزقه قبل أن تحط الشمس نورها، بينما أحدهم غارق في ثبات عميق
تناقضات، تناقضات في الألوان، في الحياة، في الموت، في كل شيء، وأنا أسير هذه التناقضات ..
أخرجنى من زخم هذا التفكير صوت أحدهم ينادي ويضع يده على كتفي ويهزه  "الصلاة يا أستاذ"
ابتسمت له ووقفت للصلاة بين يدى الله ذاك الأحد الفرض الصمد الذي لا نقيض له في هذا الكون، آه يا إلهى لو أن كل شيء صار مثلك معلوم وواضح أمام الجميع ..
انتهيت من الصلاة عائدًا إلى المنزل، ولا أفكر بشيء كأن عقلي قد أُنهك من التفكير هو الآخر ...
على باب العمارة التقيت بجاري إبراهيم، وتحدثت معه لدقائق عرفت منه أن ابنه نادر ليس بخير. ووعدته بزيارته للحديث مع نادر وخصوصًا اأننى من المقربين لديه، ويعلم أبيه مدى ثقته في ..
نمت هذه الليله وأنا لازلت في داومة التفكير في هذه التناقضات، زد عليها الوحدة التى صارت ركنًا أساسيآ في حياتي، التفكير لعنة بئس من تصبه، لا أعلم كم مر من الوقت ولكن وجدتها الساعة التاسعة، هل نمت أم استيقظت أم مااذا فعلت؟ حقيقةَ لا أدري!!
خرجت للقاء بنادر، فتحت لي والدته الباب ودخلت عليه، غرفته كانت مظلمة ينبعث في وسطها ضوء متقطع لجهاز حاسوب، بينما يجلس هو على كرسيه صامتًا لا يتحرك
-نادر نادر
-..هه!
-كيف حالك؟!
-..هه
-لم تأتي لزيارتي منذ مدة، لم انقطعت؟
لم ألقى منه جوابًا، كأنه هائم في عالم مستقل بذاته، كأنه يفكر أيضًا، التفكير مرة أخرى، أما لهذا الداء من حل ؟!
شكله مرهق جدا وعيناه مثقلة بالدموع، يبدو على ملامحه أنه أكبر من سنه هو لازال طالبًا في المرحلة الثانوية لازال مراهقًا! ترى ما عسى أن يكون هذا الحمل الذي يحيويه تفكير مراهق!!
-نادر حدثني أرجوك
-آدم أنا لا استطيع الكلام
-هون عليك. ماذا حدث لكل هذا؟
تُرى هل لو تحدثت سيصغى أحد إلي؟
-أنا أسمعك كما اعتدنا
-كلا، آدم الموضوع فاق كل حدود الكلام
نظرت إليه بنظرة إشفاق، فاستطرد هو في الحديث
-الآن عمري قد اقترب من السادسة عشر، ولازل أبي يضربني، ولا يكف عن الشتائم والتقليل من شأني، وأمي مثله أيضًأ، بمنتهى السلبية تسانده ضدي، لا أعرف أى ذنب اقترفته لكل هذا، وتجدهم يلقون باللوم علي وعلى حلمي؛ يظنون أن الدراسة أهم من أن أحقق ذاتي، لن أبرح حتى أبلغ حلمي أو أمضي في تعداد الموتى
-ألم تحاول الحديث معاهم ربما تتقارب وجهات النظر كما نتناقش سويًا
-حاولت ولكن بدون جدوى
-لكنك ماهر في النقاش والتفاهم
-صدقني إسلوب النقاش الذي اعتدناه في جلستنا على النيل لن يجدى نفعًا
 -إنك لتظن الطريق سهلًا، أنت في البداية وتشكو وتتزمر مثل الأطفال، تُرى ماذا ستفعل حين يكبر حلمك أكثر وأكثر
حاولت تخفيف حدة الحديث، وخصوصًا أنى لا أريد الضغط عليه
-ماذا عن اصدقاءك
-ليس لدى اصدقاء ،أمي دائمًا تحذرني من كل شخص أصادقه، ولا تكتفي بذاك بل تمنعهم من زيارتي، كما حدث آخر مرة مع صديقي حسام التي قامت بطرده
-وطردته لماذا ؟؟
لأنها علمت أنه ابن بائع الخمر الذي على الجانب الآخر من المسجد، معللة كيف لابن شيخ الجامع أن يصادق ابن بائع الخمر
ابتسمت وتجددت في داخلي تناقضات مرة أخرى، يالتلك الصدف التى تجتمع فيها التناقضات
أكمل هو الحديث
أتدرى يا نادر، حسام صديق جيد يحبني ويحاول إسعادي دائمًا، لا أفهم لماذا تكرهه أمي وبيتعد عنه باقى زملاؤنا في المدرسة، ماذنبه أن أباه بائع خمور
-أكمل استمع لك
-ولكن على الرغم من أنى أحبه ويحبنى، إلا أننا أحيانًا أو في أغلب الوقت لا نتفق فهو لديه وجهات نظر تعارضني تمامًا مثل أبي وأمي، ولكن لا أعرف السبب في أني أتقبله هو دونًا عن أبي وأمي
-ساكون سعيدًا لو أخبرتنى بهذه الأفكار، وكيف تتناقشون. حدثني نادر أنا أصغي إليك

اعتدل في جلسته وتهللت أسارير وجهه وارتسمت على وجهه ابتسامهة خفيفة، أحيانا كل ما نحتاجه هو مجرد شخص يصغي إلينا ويستمع إلى كل التفاصيل المملة، ويتقبل تلعثمنا في الكلام، صديق وفي أو حبيبة أو أخ أو أخت؛ نحن في حاجة إلى الحب دائمًا، وحب وفقط ..استكمل نادر
-حسنًا، سأحكي لك، في مرة كنت جالسًا في غرفتي كالعادة أقرأ كتابًا عن الروبوتات، إذ بالباب يطرق، فافتح، فأجد حسام، أدخلته الغرفة بسرعة دون ان تراه أمي ،قدم إلي ثلاث كتب أخرى عن الروبوتات كم أسعدتنى ولكن حدثته
-حسام! كيف تهديني تلك الكتب وأنت غير مقتنع بما أفعله
-وجدتها بالصدفة، فأهديتها لك؛ أعلم أنك لن تصل إلى شيء ولكن لا بأس
-ماذا تعنى بأنى لن أصل إلى شيء، وعاودت الحديث بعصبية، كلا سأصل وسأصنع روبوتى الأول رغمًا عن الجميع. تعالى صوتي أكثر. أتسمعنى سأصل رغمًا عنك وعن أبي وأمي سأصنع نفسى لن أقف
عندها فتحت أمي باب الغرفة وبدا عليها الذهول
-نادر أجننت
بسرعة التفت إلى حسام وطلبت منه أن يختبئ
فتحت الباب بدون استئذان حتى وتحدثت
-نادر أجننت تخاطب نفسك
-كلا أمي لا شيء لا شيء
تفقدت الغرفة بشكل أشبه بظابط في أمن الدولة أو المخابرات، ماذا إنها تجوب الغرفة بنظرات غريبة، كأن بها سجين أو ما شابه! بكل عصبيهة عاودت الحديث
-ماهذا! مازلت تقرأ عن تلك الروبوتات السخيفة التى لا تجدي نفعًا، ماذا تريد أن تفشل في دراستك وتخيب آمال أبيك فيك
-أنا أريد أن أحقق آمال وطموحات نفسي، مالي ومال أبي، أنا من أعيش حياتى ليس أبي
-منذ متى وأنت ترد بهذه الطريقة يا ولد، صرت أمرًا صعبًا
-نعم أمي أنا استطيع أن أرد وأحارب في سبيل حلمى، لن يقف في وجهي أحد لماذا يحدث ذلك، وتعاملونني هكذا
-لأنك تحلم احلامًا واهية لا تسمن ولا تغني من جوع
أدارت وجهها عني حتى أنها لم تنتظر أن أرد
بعدها خرج حسام من مخبأه، وضمني إلى صدره، وصرت أبكى لم اشعر من قبل بهذا الشعور وكأن حسام آخر ملجأ لي في هذه الدنيا. جلسنا لنتحدث وتحدثنا كثيرًا في هذه الليلة ثم خرج كما أتى

*عاودت أنا الحديث بكل هدوء
-ولكن نادر أخبرنى كيف تحب حسام وهو يعارض أحلامك
-حقيقة لا أدرى، ربما لأنه يسمعني بدون ملل أو كلل، يتفاعل معي بكل جوارحه، يقدر على إسعادي. أما عن أحلامي فأنا كفيل بها بنفسي، أؤمن بنفسي وهذا كافي لا أحتاج أحد
-نعم حسام أوافقك الرأي
-ولكن يحدث أن نسقط أو تنهار قوتنا، عندها كل ما نحتاجه شخص  يساندنا يدعمنا يمسك بنا، ويقف إلى جوارنا، يحبنا بصدق
عندها تألمت في داخلي وتذكرت وحدتي وأني لا أملك مثل هذا الشخص، حاولت إنهاء الحديث مع نادر دون سبب محدد ووعدته بلقاء آخر
****
خرجت من غرفته فوجدت أمه في انتظاري أمام الباب
-أستاذ آدم أود الحديث معك
نظرت لها نظرة غريبة فعاودت
=لقد استمعت لما دار بينك وبين نادر، ولكن اعذرني فأنا قلقهة عليه، ما لا تعرفه أنه لا وجود لتلك الأم ولا لحسام
-كيف
-نادر مريض بالانفصام، هذا ما وصفه طبيبه النفسي
وقعت علي الجمله كالصاعقة، وكأن ضربة انهالت على رأسي، نعم! نعم! كيف غاب ذاك عني، والدة نادر توفيت منذ عامين وهذه زوجة أبيه يا إلهى، مال هذا المسكين حتى حسام صديقه، لا وجود له آه يا مسكين ما الحل لحالتك تلك
خرجت هائمًا على وجهي وأنا من هول ما عرفته لا أقدر على الحديث حتى ..

تم الإعداد بواسطة/ أمير محمد.
  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق