الخميس، 10 مايو 2018

خاطرة - الجذور




كشجرةٍ هاربة
هل رأيت أشجار هاربة من قبل؟
لا؛ فعادةُ لا تهرب الأشجار..
أتخبط حتى أعثر على مكان ما، لتتغلغل جذوري فيه
 أخشى تثبيت جذوري في أي أرض، فيصيبني القحط والجفاف، أو تٌقتلع جذوري بكل ذلك العنف الذي لطالما اٌقتلعت به.
أنا شجرة أنهكها كثرة الاغتراب، أود أن أعثر على أرض فأنفض أوراق الغربة من فوق أغصاني.
أزور الكثير من الأراضي، أتنقل بين هذه وتلك ، لكن دائما ثمة شيء ناقص لم يكتمل فيّ ابدًا،
علّني أخشى التشبث.
أن تتعمق جذوري فيؤلمني أن اُقتلع من أرض أسكنها لوقت طويل، أن أستيقظ فلا أجد أرضي ولا وطني ولا كل الأشياء التي سكنتها.

أغفو على شمس ربيع العشق تغمر جذعي المتهالك، فأُزْهِر، أنتشي بها لتدفئ روحي، لكن ذلك الدفء لم يستمر يوما. 
 دفء الصيف الممل يخنقني، شمس الروتين الحارقة تصيبني بالجفاف ، تذْبُل أوراق دفئي انتظارًا، حبًا، شوقًا، وولعًا، لتداعب نسمات الخريف أوراقي، شيء ما يقبضني؛ تُحرِّك رياحه كل الأشياء من حولي ببطء فيسقط كل شيء، الأقنعة، والحب، وأغصان بنيتها بكل قشّة عشق، أستفيق عارية جُرِّدَت كُلُ أوراقي تلفحني برودة الشتاء القارس، أضع قدمي على الأرض قشعريرة تسري بجسدي، تصل إلى أقصى مكان في روحي، ليست الأرض باردة إلى ذلك الحد، روحي، روحي من تشعر بالبرد!
تخبرني أن الشتاء وحده حقيقة، وكل ما مضى لم يكن، ليس أسوأ من أن تسير حافي القدمين في شتاء ممطر سوى أن تنتزع جذورك، جذورك تلك التي أعطيتها إشارة بالأمان أن تنمو وتتغلغل في أرض لم تكن أرضك من الأساس، على الرغم من كوني أعلم أنها ليست بأرضي، آمنت بالمعجزات؛ تركت لجذوري الخيار أن تمضي، تشعّبت، تشبثت بتلك الأرض وكأنها أرضها، أنسيتِ كونكِ عابرة سبيل؟

مهما كلف الأمر الآن ، ينبغي أن أنتزع جذوري وأمضي
مهما كان ذلك شاقًا، ومؤلمًا
سأخلع أوراقي عني، أنتزع جذوري بطريقة ما، أتُراني أختار تجرع الألم على دفعات صغيرة متتالية، أم أفعلها بكل القوّة التي أملكها مرّة واحدة وحسب؟
حسنًا لا بأس بالدفعات الصغيرة المتتالية ، تركتي لجذورك اللجام ، بإمكانك أن تجلسي واضعة ساق فوق الأخرى، بكل الكحل الأسود الذي يملأ أهدابك، وفستانك عاري الكتفين الأسود المفضّل وكأنك في حضرة الربيع الأول
تنتزعينها واحدًا تلو الآخر
تقطر جذورك سائلًا تلوّن باللون العنابيّ
لعله دم؟ ولربما كان نبيذًا من نوع فاخر!
لا أدري ، موسيقاي المفضله ها هي ذا ، سأرقص، أجن، وأصرخ، أركض بقدميّ الحافيتين الممتلئتين بالجروح، بعيدًا، بعيدًا جدًا عن كل شيء
لتبقى جذوري شاردةً، حُرّة وتقطر ذلك الشيء الأحمر اللذيذ!
                                                                                               
إبداع الكاتبة\    شيماء رؤوف



السبت، 5 مايو 2018

خاطرة - خياران أحلاهما مر





"كيف أخبر صديقي المقرب أني أحبه وبشدة؟!"

منذ يومين وجدت تلك الرسالة ضمن رسائل كثيرة لم أفتحها، لا أعلم ما الذي جذبني نحوها، ولكن على أي حال فتحتها.. طريقتها لعرض السؤال استفزت فضولي في الحقيقة..

كان محتوي الرسالة كالآتي :

"نحن أصدقاء لما يقارب العشر سنوات، عرفته عن طريق  أصدقاء مشتركين، يكبرني بعام واحد فقط ، وتلك دوما حجته السخيفة لقول "بس يا طفلة".. وسيم للغاية، راق وعيناه زرقاء كالبحر، لا بالأصح البحر هو ما يشبه عينيه، مرح ويمكنه إضافة روح لأي مكان يذهب إليه، خلوق ويخجل كثيرًا من النظر داخل عيني، وإن أصابني خطب ما أجده أول الناس بجواري، للحق هو دائمًا هنا مهما تشاجرنا، مهما كثرت تقلبات مزاج كل منا، مهما حدث هو لا يترك يدي أبدًا

يحدثني كل يوم،يخلق الأحاديث، ومهما كثرت انشغالاته يضع لي جانبًا ساعة من يومه يسمع فيها سخافاتي ويسمعني سخافاته، يسألني "ما بك   رغم أنني ظاهريًا بخير، ولكنه يعرفني من طريقة مراسلتي له، يشعر بارتياح أحرفي إن أخبرني "اشتقت لك" ويرى غيرتي إن قص علي شيئًا عن صديقته فلانة، يضحك على ذلك كثيرًا ثم  يخصني بكل شيء، يخبرني أنه يحب الزهور، فأغار، ولا أعلم كيف يتعامل مع غيرتي هكذا كأنها شيء عادي،ألم يلاحظ  يا تُري؟!
ورغم ذلك يضحك ثم يقول لي
"إنتي الزهرة الوحيدة اللي في حياتي يا ستي"
ألا يعتبر ذلك غزلًا؟!، ألا يختص العاشق حبيبته بذلك!
أة كم أنا غبية آنستي، أخبرت هذا الأحمق أكثر من مرة بأكثر من طريقة أنني أحبه وهو دائما يردد
"إنتي زي أختي"..
ولكن كيف ذلك؟! كيف يمكنه السؤال عني هكذا بشكل يومي، الاهتمام بي، الوقوف بجانبي، مساندتي دوما، ثم يقول تلك الجملة السخيفة
اختنقت ،يقتلني التعبير في كل مرة.. ليتني أستطيع الصراخ عليه قائلة:

"لا أريد صداقتك،ولا أخوتك تلك!  أود أن تذاب بيننا الحدود، أن يمكنني قول كل شيء داخلي لك، دون خوف من أن تسيء فهمي.." للحق آنستي لطالما أردته أن يسيء فهمي

احترت في أمر هذا الغبي، الذي يرى غضبي وغيرتي وشوقي وتلهفي لسماع أخباره شيئًا عاديًا، يضع كل هذا العشق تحت بند سخيف يسمي الصداقة!
منذ متى توجد بين الرجل والمرأة علاقة تشبه علاقتنا تلك وسميت صداقة؟!
ماذا أفعل؟!
.....

بعدما قرأت رسالتها، ارتسمت علي وجهي ملامح مشاعر غريبة، أحاسيس هاجرتني منذ زمن، وعادت لي الآن، تلك الرسالة لم تكن استغاثة بي لنجدتها، بل انقاذ منها لما تبقي داخلي من ذكريات..
أخذت نفسًا عميقًا، وأرسلت لها بحروف واثقة في ذاتها حد الارتباك
"صغيرتي الجميلة، أنت أخبرته بالفعل انك تحبينه، لذا أرى أنه لا داع من سؤالك ولكني دعيني أقول
أن قوله لك يا "طفلة"، واهتمامه بك ليس في حد ذاته اعتراف بالعشق لأنه عاد لينقض المعاهدة بقوله "إنتي زي أختي".. الرجال أذكياء للغاية، أنصحك بالابتعاد عنه  لفترة وإن عاد يسألك "لم ابتعدت؟" اخبريه الأمر بشكل أوضح من ذلك ولكن تحملي عواقب الفعل"

تلك كانت أكثر الرسائل التي اهتم قلبي بها  بل تنهدت بعدها قائلة
"آه صغيرتي باتت شجاعة، الاعتراف بالعشق من أمرنا نحن النساء.."


 إبداع الكاتبة\ ياسمين محمد


الخميس، 3 مايو 2018

رسائل - رسائل إلى الكائنة في علم الغيب






أيا كائنةً في علم الغيب، إليك مني تحيةٍ موصولةٍ بسلامٍ دائمٍ لا ينقطع، وإن انقطعت دونه أنفاسي، هل يا تري وصلتك رسالتي التي أرسلتها لك آنفًا مع الملاك المُوكل ببريد عالم الأرواح، أم أنها ضاعت في غياهب جُب الفراغ، قد طالت غيبتك هذه المرة، لا أدري ما سر هذا الحجاب الذي ضُرب عليك فلا أتمكن من الوصول، وصرت أقضي الليالي في ذاك المكان حيث كنا نجلس سويًا نتسامر ونتحدث في أمور لا يفهمها سوانا، كم اشتقت إلى تلك اللحظات التي أتلو عليك فيها قصائدي فتبتسمين ابتسامة تضئ طريق الأرواح الصاعدة في دروب العشق لتهتدي إلى أشباهها من الأرواح.

لم أعد أهرع إلى تلك البوابة التي تدلفني إلى عالم الأرواح، حيث نلتقي على أريكة الحب فنتسامر بعفوية رائعة، فمذ حُجبتي عني أصبح ذاك العالم شاقًا علي، لكني أُرغم أحيانا على الدخول فيه حين يعجز جسدي البشري عن مواصلة العمل، فأذهب عنوةً إلي تلك الأريكة نفسها، أتحدث هناك مع الأرواح التائهة مثلي عنك، وأخبرهم عن روحك التي خلقت من حياء خالص، وقلبك الذي هو أرق من النسيم إذا سرى، وعقلك الفطن الذي أعجز عقول الورى.

لقد اشتاقوا هم أيضا إلى رؤيتك من فرط حديثي عنك، ذاك الحديث المستمر الذي أضرم في غابة قلبي المملوءة بالحشائش نارًا، التهمت حشائش الكراهية والبغض والحقد، وصار قلبي جنة مبذورة ببذور الحب والرحمة والسماحة، بذورًا ما زالت تترقب قطرات المطر التي تفيض من سحاب روحك لتضرب أغصانها في فضاء العالم المحسوس؛ فتحنو على المتعبين وتظلل قلوبهم بأغصان العشق اللا منتهي.


       
إبداع الكاتب\  أحمد الشنتوري