السبت، 3 فبراير 2018

خاطرة - قطة شرودنجر


هناك الكثير من القطط في هذا العالم، ولكن هناك قطة واحدة مشهورة جدا، قد تكون سمعت عنها من قبل، قطة شرودنجر. هي عبارة عن تجربة ذهنية للعالم الفيزيائي (إروين شرودنجر)، يتخيل فيها قطة داخل صندوق مغلق، وضع معها عداد غايغر -عداد يقيس تحلل المواد المشعة- وكمية ضئيلة من مادة مشعة، حيث يكون تحللها خلال ساعة شيئًا ممكنًا. إذا تحللت ذرة واحدة فإن عداد غايغر سيطرق مطرقة صغيرة، تكسر زجاجة مليئة بمادة الهيدروسيانيك السامة والتي ستؤدي إلى موت القطة. بعد ساعة، هل تستطيع أن تعرف حالة القطة داخل الصندوق المغلق. تبعًا لميكانيكا الكم، ستكون القطة في حالة مركبة من الحياة والموت، أي أن القطة نصف حية ونصف ميتة، والطريقة الوحيدة لمعرفة حالتها تتوقف على المشاهدة، وبالتالي سنعرف حالة القطة إذا فقط فتحنا الصندوق ونظرنا بداخله.

إذا ما أسقطنا تلك التجربة على ما يحصل معنا في حياتنا اليومية، بافتراض أن القطة هي كل تجربة جديدة علينا، فإننا لا نستطيع أن نصدر حكمًا واضحًا، مؤكَدًا حول نجاحنا أو فشلنا، فوزنا أو خسارتنا إلا بالتجربة.
نعاني من التفكير حول نتيجة شئ ما، ربما كان مشروعًا نود تنفيذه، أو رحلة نريد القيام بها، كورسًا نود البدء فيه، هواية أو مهارة نود اكتسابها، ونبدأ في الافتراض، سأنجح، لا سأفشل، كيف أنجح، لماذا أفشل، وهكذا وننسى أن الفيصل الوحيد هو الدخول في التجربة.

أتعجب كثيرًا من الناس؛ أراهم يصدرون أحكامًا حول تجارب الآخرين، تسمع شخصًا يخبرك لو أن فلانًا فعل كذا لكان كذا، وآخر يخبرك بأن ذاك الشئ سهل جدًا، وثالث يخبرك بأنه لو كان مكان الشخص لكان نجح، أو لأبلى أفضل منه. لا أفهم تمسكهم بأحكامهم والتعامل معها على أنها واقع وحقيقة واضحة رأي العين.

الآراء مثالية والأحكام والتوقعات أيضًا مثالية حتى تجرب الشئ، تلمسه واقعًا، تخوض التحدي وترى النتيجة. لن تدري حقًا صعوبة اكتساب مهارة مثل الرسم إلا عندما تمسك فرشاة أو قلمًا، وترى أنك رسمت خطًا جبليًا متعرجًا، شوه الورقة. لن تعرف صعوبة الإقلاع عن التدخين، إلا إذا كنت مدمنًا وتحاول التخلي عن تلك العادة.

أنا لا أقول مثلا "ادمن التدخين وبعد ذلك حاول الإقلاع عنه"، لكي تدرك صعوبة ذلك، ولكن ما أحاول إيصاله إياك، هو أن لكل شخص منا تجاربه الخاصة، لكل منا قدرته على التحمل، لنا رؤيتنا الخاصة للأشياء، وظروفنا التي تحكمنا، وبالتالي لا يجب أن نصدر حكمًا على سلوك أحدهم -حتى لو مررنا بنفس التجربة-، فلكل منا ظروفه واستجابته الخاصة للأحداث.

يمكننا أن نصبح أكثر تعاطفًا، أقل تعصبًا، أكثر خبرة، وأفضل في تقدير الأمور لو ركزنا على تجاربنا ولمسنا الأعذار للآخرين بدلا من الحكم على حياتهم وتجاربهم من نظرتنا القاصرة فقط.



إبداع الكاتب\ محمد حمدان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق