الأربعاء، 8 فبراير 2017

خاطرة - عالم الصداقة



على رؤوسهم أصالة أذابت الحنين القديم. عندما ولدنا بحثنا عنهم، كانوا ولازالوا العيون التي نرى بها، و الأذن التي نسمع بها، والقلوب التي تلتحم معًا فيتسع لها الأفق الضيق، ويفيض الحب على كل شيء. نستشعره في أول لقاء مع الحياة، التي تهمس تتحرك تتحلى وتتباهى حول المولودين الجدد، منذ أن بدأ الدم يتدفق في عروقنا، ومع أول قشعريرة أضفت لمشاعرنا أمورًا نعيشها لأول مرة..
مذ أن تفتحت الأعين أراهم كالظلال، كل من تحسس يدايّ صديق جديد. فأي إنسان يمكنه أن يكون صديقًا يمد يد العون، يشارك أقسامًا من حياتك معك، ويهمس إليك بلغة ذلك العالم الجديد، يسلم الواحد منهم الدرع للآخر. يبدو أن الخالق سخرك وسخرهم لمساندة بعضكم البعض، وياله من شرف لي أن أكون مسخر لذلك في حياة أحدهم.

ظننت يومًا أن الصداقة ما هي إلا أقنعة مزخرفة متشابهة، وكل تشابه يعنى صداقة، أو أوشام طبعت على الأنامل. ربما يكون للبصمة لغة لو ترجمت لظهرت أسماء وحكايات، ولكشفت من يمتلك وفاءً خالصًا لمن، ومن قد يخون من، ومن لديه إصرار على إنشاء علاقة صداقة وطيدة لا تهدم، ومن سيفي بعهده ومن سيخذل مع أول عاصفة تمر.

لكن سرعان ما بدلت أفكاري، وبدأت رحلة بحثي عن رمز الصداقة الأقوى على الإطلاق في حياة البشرية..

رفيقا الدرب الطويل، صداقة لطالما بقيت الأعظم: احترام، تصديق، مساندة، مشاركة، اعتزاز، تفهم واحتماء. تشاركا أهم أقسام حياتهما معًا، واجها فناء الدنيا بإيمان وصبر ورضا، أنقذا صداقتهما ورسالة أنزلت على أحدهما، فآمن الآخر بها وصدَّق، وأنقذت معهما أمة كاملة، وجدير بالذكر أنهما من بني جنسنا لحم ودم وروح.

زاد تعلقي بهما يومًا بعد يوم، وصار حبهما مقرون بأنفاسي، أتمنى من كل قلبي أن أسير على خطاهما.

أحب كثيرًا أن تجمعني بصديقي أحاديث الليل الطويلة، وفي أيام أخرى حين نستغيث أو نتلوى من أوجاع الدنيا، تقبض علي رأسي وظهري مسحات صديقي الحنون، لحين مرور نوبة بكاء الناي تلك حتى يرتوي من يديه حلقي الجاف، وأستعيد بفضل الله ودعواته حواسي مرة أخرى. صديقي لا أراه إلا مبتسمًا حتى في حزنه وآلامه، فابتسامته تختبيء في التجاعيد حول عينيه وجبهته ووجنتيه. دعونا نصرخ كالذئاب؛ دفاعًا عن صداقتنا، فلأجلها أنا مستعد أن أحارب على جميع الجبهات لكي يحل السلام على علاقتنا. دعونا نخرج للبحر نجد نجمنا المتلأليء نراقبه للحظات، ثم نتبعه محتضنين الرياح والأمطار والنسيم الدافيء الذى يعقبهما.

إعداد / ندى أحمد عبد المعطي.