الخميس، 9 فبراير 2017

الحياة خارج الصندوق - قصة قصيرة



كانت تكره الخروج من عالمها.. من خيالاتها المضطربة.. تجبر الأخرين بالاختيار بينه وبين واقعهم! لكن دائمًا ما كانوا يملّون من العيش في صندوقها، والذي طالما ملأ حياتها "بهجة" رغم ضيقه.
كانت فى كل مرة تتسائل ما سر انجذابهم وراء الواقع؟ فـ هي ترى أنه مليء بـ ضيق الوقت والموت.. وقت وموت.. وقليل من الحياة بينهما.

لماذا حقًا لا تستطيع أن تشاهد الواقع "وردي" كما الآخرين؟
أهي حقًا شخصية متشائمة كئيبة تضر بالصحة كما قال أحدهم!

إذًا لماذا خلق الله هذا التفاوت الكبير بين التفاؤل والتشاؤم؟ ولماذا لم تصبح هي تلك الشخصية المرحة التي لا يفسد يومها إلا أن يفوتها حلقة من مسلسل تركي!


تركت أفكارها المعقدة في صحبة الشاطيء، واستعدت للاصطدام بالواقع كي تعود للمنزل!
مرتدية ذلك المعطف الاسود، الذي دائمًا ما يجعلها تبدو كفرد من أفراد العصابات، منفردًا عليه شعرها المائل الطويل الذي لا يمكنك أن تفرق بينه وبين معطفها إلا بمرور الهواء.
كان يتملكها شعور بالأمان في كل مرة ترتديه، فـ هو يجعلها غير مرئية بالمرة.. تسير بين الحواري ضاحكة تارة، ومحدثة نفسها بعتاب وانهمار تارة أخرى.. والعيون ترصدها

وبمجرد وصولها إلى المنزل تمضي بعائلتها دون حديث، فـ هي تعتقد أن مفعوله لم ينتهِ بعد ولكن..

حدث ما لم تكن تتمنى، واستوقفها الأب بغضب شديد!
- كنتِ فين؟
- كنت بتمشى شوية..
- طيب ادخلي غيري هدومك.. واستعدي عشان فيه ناس جاية تشوفك
- تشوفني!!


نظرات الأب الحادة منعتها من استكمال الحوار.
فـ ما كان لها إلا أن ترسم تلك الابتسامة، ودخلت غرفتها فى صمت تام.

لم تدرِ إلى من تلوذ بالفرار، وقد عقدوا أمرهم..

أصدقائها؟ بالطبع لا.. فـ هم يرون أن تلك هي حقًا الحياة المثالية، وأنها آخر من تبقى في الكون كله دون زواج في عقده الثالث!
عائلتها! من جعلوها أضحية اليوم؟ لا.. لا أحد في الأرض.
"لكن هناك من في السماء." قالت لنفسها بانتصار.

جلست بهدوء.. وللمرة الأولى لم تشعر بشيء أبدًا.. لم تنهمر بالبكاء كعادتها.. لا شيء!
فقط ارتدت ذلك الفستان الأبيض -وقد عاهدت نفسها على فعل ذلك- و تركت شعرها حر طليق، على عكس حالتها.
ثم وقفت امام المرآة تحادث نفسها بنبرة خافتة ثابتة

- أشوفِك في الجنة يا حلوة.

سقطت على الأرض بجوارها خطاب الوداع.. لعالمها لا لأحد..
تاركة خلفها وردة ذابلة ملتصقة بإهداء لأهلها وواقعهم:
"البقاء لله وحده.. والذهاب لنا."

إعداد/ داليا عبد الوهاب



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق