الأربعاء، 2 أغسطس 2017

خاطرة - لحظات



أنا في طريقي للبيت، بداخل سيارة نافذتها مفتوحة بالكامل، الهواء عليل أشعر به يلاطفني، يلامس وجنتيّ بنسمات باردة، وفي ملامسته يطهر قلبي من الجروح، يكسر خطوط الدم المتصلبة عليه ويعود النبض له رويدًا رويدًا (لحظة رجاء)
 تلوح لي الشمس من بعيد مبتسمة، انتظريني غدا سوف أبحث عنك، سأجدك حتمًا سأجدك، تختفي بين الجبال وكأنها تأبى الذهاب، تركتني وغابت ولكنها تركت نورها الذهبي الساطع في فؤادي.
 تمضي السياره في طريقها، وبنظرتي الثابتة للأسفلت بأحجاره البارزة، تتبدد الأحزان والعقبات ومتاهات التفكير بسرعة، يختفي جزء ليظهر جزء آخر، بجانبي طفل يبتسم تداعبه والدته فتعلو ضحكاته، ما أطيبه وجه وما أبهاها من صورة. (لحظة أمل)
 النخيل ،الشجر،العنب بأوراقه ،بركة الماء والأعشاب التي تطفو على أطرافها وتحيطها من كل جانب، الناس، السماء، بات كل ذلك ف عيني جميلًا وبدا لي أني أراه للمرة الأولى، وكما صارت أمي سبب وجودي في الدنيا شهدت تلك اللحظات ميلادي للمرة الثانية وأضحت سببًا أيضا، أصبحت على يقين بأن هذه اللقطات من الكون وُضعوا في هذه الأماكن وفي ذلك الوقت ﻷجلي(لحظة تأمل ويقين)
 راودتني طفولتي، شجرة سدر أتردد عليها في الشتاء ودائمًا ثمرها أخضر في هذا الوقت، ولم أكن أسمح لنفسي أن أقطف منها خوفًا من صاحبها، وبجوارها بقايا حائط من الطوب اللبن أستند عليه، أتأمل صاحب الشجرة وهو يقطف لي الجرجير والنعناع والكرات، أسير في الطرقات بسلة من الخضرة، بزهو وفرح كأني أمتلك مفتاح الحياة بداخلها.
 وأاه على التلة التي أصعدها أنا وأصدقائي نراقب الرائح والغادي ومعالم قريتنا بالكامل، نتسامر ونعيد أحداث اليوم بصياغ مضحك ومسل بتأمل تفاصيلها، تنتهي بأصوات ضحكاتنا العالية الممتلئة بالسعادة والصفاء والهناء.
 أمر بجانب المسجد أنظر إليه وأنا خائفة أترقب أن ينادي الشيخ باسمي فلم أحفظ ما قرأه علي في الحصة السابقة، وأرى كذلك النشوة في أعين صديقتي لإتمامها حفظ ما عليها (لحظة خوف)
 يجترني الحنين لبناء قديم، مدرستي الابتدائية، العلم يرفرف ينادي باسمي تعالي فقد اشتقنا لوجهك المليء بالنور، لكن ليس بقدر لوعتي له، خفق القلب في أول خطوة خطوتها على باب المدرسة، شجره الكافور العتيقة أزدادت طولًا وشموخًا، تذهب أوراق فروعها يمينًا وشمالًا كأنها تحتضنني وياله من حضن روى الشوق ﻷيام البراءة، بجانبها شجرة يُقال أن من أوراقها تصنع الحناء. هاهو الحائط الذي سجلنا اسمائنا عليه، والمقعد الإسمنتي، هنا أخبرتني معلمتي أني قد اجتزت امتحان اللغة الإنجليزية بتفوق (لحظة فرح)
 وهنا أيضًا سمعت كلمات أغضبتني أن الزي المدرسي الخاص بي مهترئ وأن شكلي غير ﻻئق (لحظة غضب)
 رفعت رأسي للأعلى قليلًا، أول فصل دراسي دخلته، ها هي أمي تتركني وتذهب، سلمتني للمعلم، أراها تبتعد خرجت من باب المدرسة لم تلتفت وراءها أبدًا، أمسك بيدي معلمي وأشار إلي بالجلوس على مقعد وبدأت رحلتي من هنا (لحظة عدم الشعور باﻷمان)
 في دفتري وبقلمي دونت كل ما مررت به وماعشته في كل لحظة بأدق التفاصيل وتأملتها جيدًا، فكرت كثيرًا لم وقت الفرح ليس صافيًا به شوائب من الألم، وعندما يصيبنا الحزن نتهرب لا نسمح ﻷنفسنا بالحزن، وعندما نعبر عن غضبنا نهرع إلى الكتب واﻷطباء النفسيين لنكبت جماح الغضب. وقس بذلك على مشاعرنا جميعها نهرب منها أو نستفيض فيها!!

افرح بالقدر الذي تطير فيه للسماء، واحزن بالقدر الذي تحتاجه، أجل نحتاج الحزن، ذلك الشعور الدافئ يجعلك تقف قليلًا وتنظر بداخلك، وتفكر كثيرًا في أمورك، ثم تخرج وتعود أكثر حكمة لتبدأ مرة أخرى. عش كل شعور لنهايته لا تختزل نفسك في واحد أو اثنين، والجميل في الأمر أن الأمل عامل مشترك بينهم جميعًا؛ يشارك ويصادق ما تجود به قلوبنا في الحزن والفرح ويعلمنا الصبر والعمل. منحت نفسي حق الفرح. منحت نفسي حق الحزن. منحت نفسي حق الحياة. بقلب صافي وعقل أكثر حكمة بأن أتقبل مشاعري، ولا أترك أو أنكر أي جزء منها أتقبلها كما هي وأعيش كل إحساس بقوة وثبات.

إعداد\ صفية محمد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق