الأحد، 13 أغسطس 2017

قصة قصيرة - أنت جميل!






"أنت جميل يا هذا، وأنا أحبك"
 أوقفني صوت فتاة في العشرين من عمرها، ترتدي فستان أزرق اللون رقيق، وشعرها يتطاير مع الهواء بخفة، أما عن عينيها فهي من جعلتني أتسمر مكاني..

أخذت أبتسم حتى ظن من حولي أنني أُصبت بالجنون، وحين استعدت وعيي من غيبوبة النشوة، فتحت عيني فلم أجدها، لقد اختفت!

تسائلت من تلك الجميلة يا ترى؟! لكني وجدت عقلي يسأل: من تلك الكاذبة؟!
نعم، هكذا أخذ عقلي يردد السؤال دون رحمة، وبمنتهى الوجع، لذا أحسست أنه أهان كبريائي كثيرًا ووقفت مكتوف الأيدي لا أعرف كيف أجيبه!
أتسائل هل يراني عقلي بهذا القبح حقًا؟! هل أنا سيء المظهر لدرجة أني لا أستحق أن يدعوني أحد بالجميل؟ لم يعطني عقلي أية أجوبة وتركني هكذا أقلب الكف على الكف، عزمت الأمر على أن أجد تلك الفتاة الفاتنة وأجعلها تعيد الجملة عدة مرات ليتأكد عقلي أن هناك من يراني جميلًا ..

دخلتُ معه في تحدي..
وأخذتُ أبحث عن تلك الفتاة..
لأيام متتالية دون تعب أو ملل..
 وكلما بادرني أحدهم بذكر عيب في وجهي أو جسدي أو في كلي بصفة عامة..
 لا أكترث..
كل ما أفعله هو أن أتذكر جملة تلك الفتاة فأبتسم لهم
  بت أستعجب من حالي كثيرًا؛ فأنا في أول الأمر شخص فقير الحال جدا، لا أملك من الجمال أي شيء حتى بوادره، جسد غير متناسق وبشرة داكنة تشبه الظلام!
كلما كان يذكرني أحدهم بأحد عيوبي التي أحاول بالكاد أن أتنساها
 أنزعج!
أدخن سيجارة تلو سيجارة ومن ثم يأتي العِرق الرُجولي داخلي، فيصرخ قائلًا: منذ متى ويُعاب الرجل على قلة جماله؟ هو يُعاب على قلة ماله ليس أكثر!
فأضحك عليه كثيرًا: لأني فقير جدًا جدًا في الحالتين.
توقفت عن التدخين فجأة بعد آخر لحظة جمعتني بتلك الفتاة
 وبت أسمع كل إهانة كأنها إحدى المقطوعات الموسيقية الساحرة ..
ورغم هذا السلام الداخلي الذي أشعر به، وددت حقًا أن أعرف من هي، وليس وحدي بل عقلي أيضًا أراد ذلك وبشدة!
وفجأة قاطع عقلي شرودي قائلًا: انتهت المدة فأين هي؟
أخذت أتصبب عرقًا، وأحاول جاهدًا أن أُلملم تأتأة حروفي لأُكون جملة مقنعة له، ولكني عجزت!
وما هي إلا ثوانٍ وأتت، تلك التي في عينيها شيءٌ ما جعلني أتعلق بالحياة وأحبها، وبصوت أشبه بصوت الملائكة أجابت عني، وبموقف أكثر شهامةً ورجولةً مني ساندتني!
وقفت أمام عقلي بقوة عجيبة ورأيتها تضع يدها حول خصرها وترفع أحد حاجبيها قائلة:
-أنا هُنا.. ما الذي تريده منه أيها السخيف؟
 -من تلك المعتوهة يا تري ؟
هكذا كان رد عقلي عليها، وفجأة تغيرت وقفتها الأنثوية المائلة ودبت بقدميها على الأرض، وكأنها على استعداد تام للحرب ثم قالت له:
-بأي حقٍ تلقي سهم البشاعة عليه؟  بالله عليك ألا تُدرك كم أنه جميل جدًا؟! لِمَ تجبره على الاختباء؟ ما العار الذي فعله ليتوارى عن الخلق منه؟
لم تنتظر منه إجابة، والتفتت إلي وأخذت تمسك بقميصي وكأنها تهددني إن أنا لم أسمع كلامها فلن يحدث خيرًا، وخاطبتني قائلة:

ابتسم عاليًا.. حتى وإن كنت تملك من الأسنان أسوأها
 وارتد ماشئت.. وإياك أن تحجم حرية جسدك  بثياب خانقة له
 وتغنى بسمار بشرتك.. فلم نسمع غزلًا أكثر جمالًا من التغزل بالسمر
فالقصة هنا لها راوٍ واحد
وبطلٌ واحد
ومهمةٌ واحدة
والجميل في الأمر أنك الراوي والبطل والمهمة!

  -من أنتِ؟
-أنا اللحظات التي ساندت صديقًا فيها، والأحضان التي احتوت وجع أحدٍ كان قريب منك، فداوته..
أنا ابتسامتك لقهر الليالي وظلمها..
 أنا الأموال التي كانت بالكاد تكفيك.. ورغم ذلك تصدقت بها لصغير أخذ يبكي في الشارع لأنه  جائع، فأسعدته.. فدعى بالخير لك..
 أنا رضاك على مفارقة أحبائك.. وتغنيك ليلًا بالدعاء والتناجي مع الله..
 أنا جمالك الحقيقي ذو العمر الخالد .

إبداع الكاتبة\ ياسمين محمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق