السبت، 2 سبتمبر 2017

مقال – منطقية الزواج


في مشهد -محفور في أذهان أغلبنا- من مسرحية الأستاذ الراحل: (فؤاد المهندس) (سُك على بناتك) عندما يتحدث الأب مع ابنته في أمر العريس الفرصة، فتفاجئه الابنة بسؤالها "هي ليه الناس بتتجوز ليه يا بابا؟!" ليتلعثم الأب وتقف الكلمة في حلقه ويبدو جليًا عليه أنه لا يملك أية إجابة واضحة، فيلجأ إلى تلك الاستراتيجية الأبوية العتيقة بأن يتهمها بقلة الفهم، وعدم الخبرة الحياتية.
ذلك المشهد –على فكاهيته المعهودة- فهو يفجر في عقولنا أسئلة كثيرة عن منطقية الزواج كما يدركها المجتمع!

"لماذا نتزوج؟!" هل تكفي إجابة آبائنا بأن الزواج هو سنة الحياة لنتزوج؟! هل يكفينا أن هناك من تزوجوا ونجحوا لنتزوج نحن 
أيضًا؟! أو يكفي معرفة أن هناك من تزوجوا وفشلوا لنعرض عن الزواج؟

ثم يأتي هذا الشبح الذي يطارد فتيات عالمنا العربي عامة والمصري خاصة، وصمة  العار تلك التي قد تلحق بأي فتاة، هذا اللقب الشنيع (عانس) الذي يكفي أن تذكر به أي أم ابنتها لتجعل فكرة الزواج صائغة بل ومرغوبة ومنتظرة أيضًا. فهل هذا مبرر؟! أن أخاف من أن يفوتني قطار الزواج لأرمي بنفسي تحت عجلاته من فرط الخوف والعجلة!
نحن هنا في صعيد مصر نرى أطفالًا تجري أمام القطار، فأي منطق وأي عقل قد يجعل أطفالًا لم يتعد عمرهم السابعة عشر يتزوجن، وهن لم يفقهن بعد كم المسئولية الذي سيقع على أعتاقهن!

هل يكفي أن يصرح المجتمع بأن هذا العمر أو ذلك هو المناسب للزواج حتى نقرر أن نتزوج حين نبلغه؟ إن كان الجواب بنعم فنحن نضرب بحقيقة الفروق الفردية عرض الحائط بمثل هذا التصريح الواهي الذي ليس له أي أساس من المنطقية.
إن اتخاذ قرار بناء أهم مؤسسة في المجتمع وهي الأسرة يحتاج منا لكثير من المنطقية والتأني، إن وضع لبنة في جدار المجتمع يحتاج إلى دراسة أعم وأشمل مما يظنه ذلك المجتمع وما يرتضيه!

يقول الفيلسوف (نيتشة) "عندما تكون على وشك الزواج، اسأل نفسك هذا السؤال: هل تعتقد أنك ستكون قادر على التحدث بشكل 
جيد مع هذا الشخص في سن الشيخوخة؟ كل شيء آخر في الزواج هو عابر."
إن العلاقة الزوجية تمثل مثلث كامل من الإشباع، أضلاعه هي الاحتياجات العقلية، العاطفية، الفسيولوجية ولن تقوم العلاقة إلا بإقامة أضلاعه الثلاث! فإن سقطت الاحتياجات العاطفية أصبحت العلاقة شهوانية، وإن سقطت الاحتياجات العقلية أصبحت العلاقة حيوانية، وإن سقطت الفسيولوجية أصبحت العلاقة صداقة، لذا فإن إقامة مؤسسة الزواج مرتبطة بمراعاة كل هذه الاحتياجات وبإدراك الإكتفاء منها من الطرفين، وهذه المنطقية للأسف أحد المنطقيات التي يسقطها مجتمعنا في قضية الزواج!

وهكذا فإن فلسفة الزواج الشائعة في المجتمع تفجر العديد من التساؤلات! وتصرح باللامنطقية وتحتاج منا ليس إعادة نظر فحسب بل إعادة صياغة أيضًا، فربما ينجح جيلنا في ذلك ولو بشكل جزئي، بالشكل الذي يسمح بإفساح المجال للأجيال القادمة لوضع فلسفة قائمة على احترام الأفراد والعقليات والرغبات والأوليات المختلفة.

إبداع الكاتبة\ دنيا يحيى


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق